القادة نيوز

الدكتور أحمد إسماعيل يكتب : تأملات في اعتقال لولا

الدكتور أحمد إسماعيل

علي مدار سنوات مضت والتجربة البرازيلية الإصلاحية التي قادها الرئيس البرازيلي السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، منذ توليه الحكم في ٢٠٠٢ وحتي ٢٠١١ ظلت موضع اهتمام الكثير من المعنيين بالتنمية المستدامة والتنمية الاقتصادية واخضعوا تجربة ديسيلفيا للدراسة.

ناقشناها في العديد من المؤتمرات العلمية حتي كانت نموذجا لا تخلو منه المحافل العلمية محليا ودوليا ، من نتائجها تغير وجه الحياة في البرازيل ، تحسن الأحوال المعيشية والاقتصادية لقرابة 40 مليون مواطن كانوا من معدومي الدخل ، اهتم بالمشروعات الصغيرة وخاصة الزراعية منها ، قال في بداية حكمة في خطاب تنصيبه أنه إن استطاع أن يوفر لكل برازيلي ثلاث وجبات يومية كريمة يكون قد حقق أهم أهدافه.

مرت فترتين رئاسيتين وحقق دا سيلفا ما وعد ، عمل في صمت حتي ملأ بانجازاته مسامع العالم، و عندما وضع البرازيل في مصاف الاقتصاديات الكبرى عالميا استحق الكثير من الألقاب منها الرجل الأكثر تأثيرها في العالم واشهر رجل في البرازيل في العصر الحديث واشهر رجل في العالم ، تبني الكثير من البرامج الصلاحية حتي أن تجربة البرازيل في مكافحة الفقر تتصدر قائمة التجارب العالمية الاكثر فاعلية، تزعم التيار اليساري علي مدار 20 سنه من خلال زعامته لحزب العمل الذي أسسه في مطلع الثمانينيات، وبعد وصوله للحكم أصبح اليساري الإصلاحي الاشهر في تاريخ البرازيل الحديث رغم إصابته بالسرطان الخبيث ، لم يقبل تعديل الدستور ليسمح له بالترشح لفترة ثالثة ، وسلم دا سيلفا السلطة غير عابئ بهتافات ودموع الملايين من مؤيديه الذين يطالبونه بالبقاء رئيسا.

ولكن للسياسة رأي آخر … وصراع الليبرالية والراديكالية والإصلاحية واليسار بأقطابه حال دون استمرار دا سيلفا رمزا بعيدا عن الشبهات.

تم اتهامه بالفساد وتلقي رشاوي واستغلال نفوذ ، ومؤخرا وفي أبريل من هذا العام حكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهم الفساد … وتكثر التساؤلات في الأذهان، ألم يشفع للسياسي ما حققه من إصلاح لينجو به من مأزق مصطنع أو حقيقي؟

هل قارن البرازيليون بين بلادهم ماقبل لولا وبعده؟ هل الذي يخشي السجن بعد تخليه الحكم من الممكن أن يتخلي عنه طواعية كما فعل دا سيلفا ؟ هل القضاء البرازيلي مسيسا ام دي سيلفيا كان فاسدا بالفعل؟!

الغريب ان ما حدث في البرازيل تكرر في بعض دول أمريكا اللاتينية في السنوات الست الأخيرة، ووفقا للمؤشرات الدولية حققت هذه البلدان تراجعا اقتصاديا مثل البرازيل بعد داسيلفا حيث تعاني الان تراجعا في الكثير من جوانب الحياة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا حسب ما ينشر عنها .

اذا كانت نتائج فترة حكم داسيلفا هي الفيصل فرغم السجن سيظل أحد رموز الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي …. ويحسب للبرازيل تفعيلها للقانون ان كان داسلفيا قد ارتكب بالفعل خطيئة الفساد .

والواقعة في مجملها تبعث بالعديد من الرسائل والدلائل من أهمها أن الفساد سيظل التهمة المشينة في نظر العالم المحترم، وربما يكون هذا هو الأمر الذي جعل الكثيرين من مؤيديه – رغم كل انجازاته الأسطورية – أن يرضخوا لرأي القضاء .

وربما تقودنا هذه الدلالات الي بعض ما يتعلق بما يسمي مكافحة الفساد علي الصعيدين المحلي والعالمي، برغم توقيع معظم دول العالم علي الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ، ورغم امتلاك العديد من الدول لاستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد ،،،، ورغم أن بعض الجهات الرقابية في بعض البلدان تبدي جدية في تعقب المفسدين.

إلا أنه مازال هناك عقبة كبرى تحول دون تفعيل افضل لهذه الجهود ، هذه العقبة هي الجهاز الإدارى المترهل، حيث تكمن الألاعيب والشللية وترتيب الملفات ، ورغم كل هذا فالحكومات الجادة والأجهزة الرقابية الوطنية تواصل جهودها وتتخطي العقبات وتطيح برؤوس ظنت كثيرا أنه لا رقيب ولا عقاب.

ويبقي السؤال للفاسدين في كل المواقع وإلي الذين يديرون مواقعهم بأيد مرتعشة : رغم انكم لستم مثل داسيلفا ولن تبلغوا شراك نعله في انجازاته ، لكن لا تستبعدوا أن يكون مصيركم اقسي وأشد، إن لم تدركوا الفرق بين الأمس والغد..