القادة نيوز

وزير الأوقاف يكتب عن التجديد في الفتوى وسلام الإنسانية ”

 نشر وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، مقالاً هاماً على موقعه وصفحته تحت عنوان: “ التجديد في الفتوى وسلام الإنسانية ” قال فيه: 

إن التجديد في الفتوى أمر حتمي لا مناص منه ولا غنى عنه ، وإن مراعاة مقتضيات الزمان والمكان والأحوال والعرف والعادة أمر حتمي في مجال الفتوى ، فالعادة محكمة كما يقول الفقهاء ، مع تفريقنا الواضح بين الثابت والمتغير ، فإلباس الثابت ثوب المتغير هدم للثوابت ، وإلباس المتغير ثوب الثابت طريق الجمود والتحجر والانغلاق والتخلف عن ركب الحضارة ، بل عن ركب الحياة .

      وقد أكد علماؤنا الأوائل أنهم اجتهدوا لعصرهم في ضوء ظروفهم وأحوالهم ، وأن علينا فيما يتصل بالمتغيرات والمستجدات أن نراعي ظروف عصرنا وأحواله ، يقول ابن القيم (رحمه الله) : وَمَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِمُجَرَّدِ الْمَنْقُولِ فِي الْكُتُبِ عَلَى اخْتِلَافِ عُرْفِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَأَزْمِنَتِهِمْ وَأَمْكِنَتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ فَقَدْ ضَلَّ وَأَضَلَّ.

       وقد ذكر الإمام القرافي (رحمه الله) في كتابه الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام: أن إِجراءَ الأحكام التي مُدْرَكُها العوائدُ مع تغيُّرِ تلك العوائد فهو خلافُ الإِجماع وجهالةٌ في الدّين … بل لو خرجنا نحن من ذلك البلد إِلى بلَدٍ آخر، عوائدُهم على خلافِ عادةِ البلد الذي كنا فيه أفتيناهم بعادةِ بلدهم، ولم نعتبر عادةَ البلد الذي كنا فيه, وكذلك إِذا قَدِمَ علينا أحدٌ من بلدِ عادَتُه مُضَادَّةٌ للبلد الذي نحن فيه لم نُفتِه إِلَّا بعادةِ بلدِه دون عادةِ بلدنا.

       ويقول ابن عابدين (رحمه الله) : إن المسائل الفقهية إما أن تكون ثابته بصريح النص وإما أن تكون ثابته بضرب من الاجتهاد والرأي , وكثير منها يبنيه المجتهد على ما كان في عرف زمانه بحيث لو كان في زمان العرف الحادث لقال بخلاف ما قاله أولا ولهذا قالوا في شروط الاجتهاد : إنه لا بد من معرفة عادات الناس , فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف  أهله.

       لذا فإننا في حاجة ماسة إلى إحلال مناهج التفكير محل مناهج الحفظ والتلقين ، وإحياء الحركة العلمية والمناهج العقلية في ضوء فهم المقاصد العامة للتشريع .

  وعليه فإنني أشيد بالقضايا التي يطرحها المؤتمر ولا سيما المستجدات في القضايا الطبية والاقتصادية ، واقتحام هذه القضايا بشجاعة وعلم ورؤية ووعي وفهم دقيق في آن واحد .

على أننا في وزارة الأوقاف سنتخذ من بحوث وتوصيات المؤتمر وما أسفر  عنه من نتائج علمية مادة نفيد منها في برامجنا التدريبية في ظل ما نعتمده من برامج تأهيلية وتثقيفية عصرية متنوعة ومتقدمة ونحن على مشارف افتتاح أكاديمية الأوقاف المصرية لتأهيل وتدريب الأئمة بعد أن أنشأنا وهيأنا لها مقرًّا حديثًا مجهزًا على مستوى الجامعات العصرية بمدينة السادس من أكتوبر ، ونعد لافتتاحه خلال الأسابيع المقبلة بإذن الله تعالى ،  مع استعدادنا لاستقبال  أي عدد من الأئمة من مختلف دول العالم في استضافة تدريبية مجانية في إطار واجبنا تجاه ديننا وأمتنا وأشقائنا وأصدقائنا وخدمة الإنسانية جمعاء .

    وليس بعيدا عن التجديد  والتطوير الذي نسعى إليه في كل جوانب الحياة يأتي مؤتمر سانت كاترين الذي شرفت بإنابة معالي الدكتور المهندس / مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء لي في حضور افتتاحه شأن مؤتمر  دار الإفتاء المصرية ، لنرسل من خلاله رسالة سلام للعالم وللإنسانية جمعاء ، بأن ديننا دين السلام ، وحضارتنا حضارة السلام ، وبلدنا بلد السلام ، وثقافتنا ثقافة السلام .

    ففي سانت كاترين حيث الوادي المقدس يطالعك مسجد الوادي المقدس ودير سانت كاترين ليرسما معا لوحة رائعة لتسامح الأديان ، وتجاور وتعايش أهلها عبر العصور والقرون ، كأنموذج رائع راق للتعايش السلمي وفقه العيش المشترك بين البشر .

   وفِي هذا الإطار يأتي حرص محافظة جنوب سيناء وحرصنا وحرص عدد كبير من الوزارات مع لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب على إقامة هذا المؤتمر الذي يتطور تنظيما وأداء ورسالة عاما بعد عام ، ليتحول بذلك من المحلية إلى العالمية حضورا ورسالة ، مما يؤكد ريادة مصرنا العزيزة في نشر قيم التسامح ، وحرصها الدائم على ترسيخ وتأصيل أسس السلام العالمي ، والوقوف بالمرصاد في مواجهة الفكر المتطرف والجماعات المتطرفة ، وبيان زيفها وزيغها وضلالها وإضلالها وكشف حقيقتها ، ونشر الفكر الوسطي المستنير المبني على الفهم الصحيح للأديان التي هي رحمة للعالمين ، بعيدا عن تحريف المحرفين ومغالاة المتطرفين .