القادة نيوز

الأزهر يكشف إستراتيجية التنظيمات الإرهابية في استقطاب الأطفال

قال تقرير لمرصد الأزهر الشريف، نشرته البوابة الإلكترونية للأزهر الشريف حولإستراتيجية التنظيمات الإرهابية في استقطاب الأطفال،  انطلاقًا من منهج مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في رصد وتعقب التنظيمات الإرهابية بهدف الوقوف على أحدث الوسائل والأدوات التي تنشر بها فكرها المتطرف، يقدم المرصد دراسته الجديدة حول الأطفال في صفوف الجماعات الإرهابية وخصوصًا داعش؛ حيث يُلقي من خلالها الضوء على: الإستراتيجية التي تستخدمها هذه التنظيمات في استقطاب الأطفال وما يتوفر لها من الوسائل لتجنيدهم بداية من الإغراء المادي ومرورًا بالتأثير العاطفي وحتى توظيفه لوسائل الترفيه والتطبيقات والألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي. الجماعات الإرهابية استحدثت فكرة استخدام الأطفال في صفوفها لتحقيق أهدافها وتأمين مستقبلها. الأمر الذي يدل على أن تلك التنظيمات لا تتوانى عن توظيف كل ما يتوفر لديها من أدوات بغية الوصول لمآربها ونشر أفكارها وإقامة “خلافتها المزعومة” التي لن تقوم بغير لبِناتٍ. التنظيم الإرهابي يقوم بتدريب الأطفال لتنفيذ أحكام الإعدام ضد الآخرين، إرهابًا للأعداء وتربيةً “لأشبال الخلافة” ومستقبلها الذي يضمن له “البقاء والتمدد”. استطاع التنظيم أن يكون جيشًا من “المسوخ الصغيرة” طلق عليه “أشبال الخلافة” بعد أن غسل أدمغتهم وانتزع قلوبهم وسلب منهم البراءة وشوه فيهم جمال الطفولة ونقائها ـــــ ليزج بهم في ميادين القتل والذبح والتفجير. الدراسة توثق – في جزئها الثاني – للعمليات الإرهابية التي نفذها أطفال داعش ليقف القارئ الكريم على جرم هذا التنظيم في انتهاكه الصارخ لحرمة الطفولة بما يؤكد على أن كل من ينتسب لهذه ‏الجماعات الإجرامية قد نُزعت الرحمة والإنسانية من قلبه.‏ تناولنا من خلال هذا الدراسة في الأسباب التي ساعدت على تحويل هؤلاء الأطفال إلى وحوش مفترسة، وأشارت الدراسة إلى التعليم الذي يمثل الركيزة الأساسية التي استطاع بها داعش الوصول إلى هذه النتيجة المفجعة، فخصصنا جزءًا من الدراسة للمنظومة التعليمية لداعش؛ نلقي الضوء فيه على المناهج ‏ الكاملة التي طبقها التنظيم في مدارسه التي تتعدد أنواعها لدى داعش. بعد سقوط تنظيم داعش، وخسارته لأغلب المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، ‏ومع تزايد المخاوف من عودة هؤلاء الأطفال الذين تشرّبوا الفكر المنحرف، وتلقَّوا تدريبات عسكرية جعلتهم قادرين ‏على تنفيذ عمليات إجرامية‏، أصبحت حاجة الدول ماسّة إلى وضع إستراتيجيات للتعامل مع العائدين منهم، فنقلنا تجربة بعض البلدان في التعامل معهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمعات. في النهاية، عرّجت الدراسة على أبرز ‏ملامح التطرف التي قد يلحظها أولياء الأمور على الأطفال الصغار، وكيفية حمايتهم من الوقوع في براثن هذه التنظيمات ‏الإرهابية والخطوات اللازمة لتجنيبهم التأثر بهذا الفكر المتطرف. استراتيجية داعش في استقطاب الأطفال لايزال الأطفال الذين تطولهم يد الإرهاب في كل مكان هم الأداة الضعيفة التي يستغلها الإرهابيون لتنفيذ أهدافهم الخبيثة، وقد ظهر هذا الأمر جليًا في صفوف تنظيم “داعش” الإرهابي الذي طالما استخدم الأطفال في عملياته الانتحارية في مختلف الدول بعد بثِّ أفكاره المغلوطة في عقولهم بطرقٍ شتَّى؛ ولم يسلْم من ذلك حتَّى أبناؤهم الذين يطلقون عليهم “أشبال الخلافة” ‏على أمل أن يتحولوا إلى مسوخ مستعدة للانتقام لهم في حالة فشلهم في تجنيد الشباب في الدول المختلفة. لقد استغل التنظيم براءة الأطفال لكونها الأسهل في عملية التلقين، حيث إنهم لا يُظهرون أي مقاومة عند تجنيدهم، ولا يمتلكون الوعي الكافي للتمييز بين الخطأ والصواب، ولا يدركون مدى خطورة ما يتعرضون له. ولعل هذا هو الدافع وراء استغلال الجماعات الإرهابية للأطفال لضمان استمرار انتشار أفكارها المتطرفة والهدّامة عبر الأجيال. علاوة على أن استسلام الأطفال وعدم إثارتهم للشبهات أحد عوامل تشبث الجماعاتِ الإرهابيةِ بتجنيدهم، ناهيك عن أنَّ الطفلَ الجندي لا يكَلفُ الجماعاتِ أموالًا طائلةً كما هو الحال مع المقاتلينَ البالغين. وتستخدم الجماعات الإرهابية الأطفالَ كذلك في عملياتِ الحِراسَةِ وحمل الرسائل والعمل كجواسيس فضلا عن المشاركة في القتال وخدمَةِ قياداتِ التنظيمِ لكونِ ولائهم غير مشكوك فيه. أساليبُ تجنيدِ الأطفال تنتهجُ الجماعاتُ المتطرفةُ كل ما يتوفر لها من الوسائلِ في تجنيد الأطْفالِ بدءًا من الإغراءِ الماديّ وحتى التأثيرِ العاطِفي والترفيهِ. كما يتم التغرير بالأطفالِ من خلالِ ألعابٍ ومناهِجَ إلكترونية وتطبيقات الإنترنت، ولا سيما وسائل التواصلِ الاجتماعي المتنوعة. ومن بين هذه التطبيقات تطبيق “حروف” والذي قام التنظيم بتحديثه عدة مرات بهدف تسهيل عملية الوصول للأطفال وتجنيدهم. كما حرص التنظيم على إدخال الطائرات التجارية بجانب الأسلحة التقليدية في الألعاب التي يطلقها ليلفت نظر الأطفال إليها كأداة للاستخدام في تنفيذ هجمات إرهابية مستقبلاً. ولا شك أن تنظيم داعش يهدف عن طريق فكرة العرض هذه إلى تجنيد الأطفال وجعلهم إرهابيين متحمسين لفكر التنظيم. ولقد عمل التنظيم على إدخال العديد من التحديثات لتطبيقات الألعاب الحربية التي يطورها، من خلال وضع صور لأهداف حيّة مثل تمثال الحرية في نيويورك وبرج إيفيل في باريس وعلى الأطفال الهجوم عليها مُقابل مكافأة لنجاحهم في الحصول على عدة نقاط أثناء اللعب. كما يتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”تويتر” من أجل مداعبة حلم الفتيات بالعيش فى الغرب بجانب بطل مقاتل ومشاركته فى وطن جديد يَكُنَّ فيه زوجات وأمهات أبطال أو عن طريق التخويف من شبح العنوسة أو تحقيق حلم الاستقلالية وإثبات الذات. وعلى الصعيد الميداني يتِمُّ تجنيدُ الأطفالِ من خلال توزيع هدايا عليهم في الحفلات والمهرجانات والمسابقات التي يستغلها المتطرفون لتمرير أفكارهم المضللة؛ وفي هذا الصدد، يقول بعض المراهقين في العراق: “كانت تُقام الحفلات سرًّا لتوزيع الهدايا على الأطفال في المهرجانات والمسابقات لكسر الحاجز النفسي”. كذلك السَّماحِ للأطفال باستخدامِ أسلحةِ المقاتلين واللَّعِبِ بها ليألفوها ولكي ينطبع في أذهانهم أن حمل السلاح يمثل البطولة والفدائية التي ينبغي عليهم العمل لتحقيقها في أنفسهم مستقبلًا. وقد تلجأ الجماعاتُ المتطرفة أحيانًا إلى خَطْفِ الأطفالِ وتجنيدِهِم دونَ عِلْمِ ذويهِم، ومنهُم من يَتم إجباره على حمل السلاح والالتحاق بالصفوفِ الأولى للتنظيمِ لتنفيذِ عملياتِهِ اللاإنسانية عن طريق “التهديد” بالقتلِ والتصفيةِ الجسديةِ؛ وكمثال على ذلك، نذكر تلك الازدواجية التي تتبعها حركة “بوكو حرام” في التعامل مع الأطفال وفقًا للنوع. إذ تُجبر الفتيات على الزواج بأعضاء الجماعة ومن ثم تكليفهن بتنفيذ عمليات إرهابية. تقول إحداهن: “جاءوا إلى قريتنا بالبنادق وقالوا لنا إنهم يريدون الزواج منا، فرفضنا وقلنا إننا صغيراتٌ جدًا، لذا أجبرونا على الزواج منهم”. وأردفت قائلةً: “يأتي القادة ويسألوننا: من منكن تريد تنفيذ عملية انتحارية؟ فتصرخ كل واحدة من الفتيات: أنا، لدرجة أنهن يتقاتلن للقيام بالمهمة .. وفي البداية كنت أتخيل أنهن مغسولات الأدمغة، لكن تبين أنهن لا يردن سوى الهروب من بوكو حرام”. بالإضافةِ إلى ذلك تجدر الإشارة إلى أسلوب آخر من أساليب تجنيد داعش للأطفال، وهم الأطفال الذين يتم تجنيدُهُم بالتبعيّةِ لذَويهم، حيثُ يقومُ أقارِبُهُم باصطحابِهِم معهم إلى مناطقِ الصِّراعِ أو اختطافِهِم حال رفضهم، وإخضاعهم لبرامِجِ التأهيلِ التي يُعدها التنظيم، وغَرْسِ منهجِ التنظيمِ في الجهاد وإقامة الدولة وتحديد هدف وهوية لهم منذ الصغر ولترسيخ العدالة المفقودة -حسب زعمه- كما حدث مع زوجة أحد أفراد خلية “لواء الأندلس”، الخلية الإرهابية التي تشكلت في العاصمة الإسبانية “مدريد”، وتم تفكيكها في 2014م، حيث حاولت إقناع ابنها بالذهاب إلى مناطق الصراع في سوريا والعراق عن طريق مشاهدة بعض مقاطع الفيديو التي تحرض على العنف. وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية، تعرض العديد من الأطفال داخل حركة الشباب الصومالية للجلد والانتهاكات المروعة، بما في ذلك الرجم بالحجارة وبتر الأطراف والقتل ومشاهدة عمليات قتل أو تعذيب أقاربهم وأصدقائهم والشهادات على ذلك كثيرة. وتستغل التنظيمات المتطرفة الأوضاع الاقتصادية الصعبة في تجنيد الذكور واستخدامهم كأدوات في العمليات الإرهابية، أو من أجل جمع معلومات، والمهام التي لا تحتاج إلى مجهود بدني. وعلى سبيل المثال، وتحت وطأة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يُقْبل الشباب الصومالي بحسب الكاتبة “ميا بلوم” المتخصصة في شئون الجماعات الإرهابية، على الالتحاق بحركة الشباب الإرهابية لأنها توفر لهم المال والأمن والحماية والسلطة، وهذا قد يبدو خيارًا جذابًا في مقابل الفقر والجوع، حيث يحصل الطفل على راتب شهري يترواح بين 30 و50 دولاراً مقابل خدمته في الحركة المسلحة. وذكرت تقارير إعلامية أن تنظيم داعش دفع مبالغ طائلة لمهربين من أجل استجلاب أطفال لاجئين من المخيمات وتسجيلهم ضمن قوات داعش المقاتلة، وتتراوح هذه المبالغ بين 1000 و2000 دولار على كل طفل يتم تجنيده من داخل مخيمات اللاجئين المختلفة. وفي مجال التعليم قد يستغل أحد المعلمين المتطرفين موقعه لمحاولة تجنيد الأطفال الذين جاءوا إلى المكان كطلاب من خلال بعض العبارات مثل أدعوكم إلى محاربة الكفار وقطع رؤوسهم بسيوفكم وتفجير أجسامكم بأحزمة ناسفة وغيرها من العبارات التحريضية، وذلك مثلما حدث من أحد الأشخاص والذي كان يعمل رئيسًا لجمعية “الدعوة” الثقافية في مدينة “فوجيا” الإيطالية، أو كما حدث مع الإرهابي الذي اعتقل في سبتة في ديسمبر 2015م لمحاولته استقطاب عدد من الفتيات خلال التدريس لهن في أحد المساجد. ويعتمد التنظيم أيضا على سهولة تجنيد حديثي العهد بالإسلام وكذلك المسلمين بالبلدان الغربية ممن يفتقرون إلى الأرضية الثقافية الدينية الكافية التي تمكِّنهم من تمييز الفكر السوي من الفكر المتطرف، ولكون إقناعهم بالأفكار المغلوطة عن الجنة والجهاد وغيرها من المفاهيم أسهل بكثير عن غيرهم. جدير بالذكر أن بُلدانِ إفريقيا تعد موطنًا لنحو 75% من إجمالي عدد الأطفال الذين يعيشون في الدول التي تعاني من الحرب على الإرهاب، وهذا يعني أن غالبيةً الأطفال المتضررين من تلك الحرب في العالم هم من الأفارقة، وهو ما أكدته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ حيث أشارت إلى أن أغلب الأطفال المجندين في العالم، وعددهم 250 ألفا، يتواجدون في إفريقيا. وحسب عدد من التقارير الأخرى، فإن تجنيد الجماعات الإرهابية للأطفال وخاصة تجنيد “داعش” لأطفال إفريقيا ما هو إلا محاولة لسد الخسائر في صفوف العناصر الإرهابية التي جنّدها التنظيمُ الإرهابيّ من جميع دول العالم، فبسبب تلك الخسائر بدأ تنظيم داعش في استخدام استراتيجيةٍ جديدةٍ؛ لتعويض خسائرَهُ البشرية في سوريا والعراق وهي “تجنيد الأطفال”، ولأنه يعلم أن الأمر قد بات صعبًا في البلدين، اتجه إلي الدول النائية في إفريقيا لتعويض خسائره البشرية هناك، حيث الفقرَ والجوعَ. ومما سبق يتضح أن أبرز طرق داعش لتجنيد الأطفال تتمثل فيما يلي: التطبيقات والألعاب الألكترونية ومواقع الإنترنت المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة. أفراد العائلة من أبناء المقاتلين في صفوف تنظيم داعش أو الخطف والإكراه على انتهاج التطرف. الأصدقاء أو المعلمين أو الأئمة من أصحاب الفكر المتطرف. تنظيم الحفلات والمهرجانات والمسابقات سرًا لكسر الحاجز النفسي للأطفال. استخدام المدارس ومناهجها الدراسية باعتبارها ميدان من الممكن أن ينتشر فيه الفكر المتطرف. استغلال حب التقليد لدى الصغار ورسم صورة زائفة في عقولهم عن صورة البطل، والعزف على العوامل النفسية في حب القتل والقتال. استغلال عدم وعي الأطفال وكون بعضهم من أسر حديثة العهد بالإسلام. الاعتماد على فكرة الجهاد من خلال مفاهيم مغلوطة وإقامة الدولة وإيجاد هوية وهدف للحياة منذ الصغر وتحقيق العدالة المفقودة، لا سيّما الأطفال الذين يعانون من الصراعات. عن طريق المال مستغلة بذلك تردي الأوضاع الاقتصادية والظروف الاجتماعية الصعبة التي ينشأ فيها قطاع كبير من الأطفال، لا سيما في أفريقيا ومناطق النزاع. المنظومة التعليمية للأطفال لدى داعش لم يكتف تنظيم داعش باستقطاب الأطفال، وقتل براءتهم واغتيال طفولتهم، ولا بالتفنن في طرق تجنيدهم والتغرير بهم، بل عمل جاهدًا على مسح عقولهم وتطبيعها منذ الصغر بما يتناسب مع أيديولوجياته، وما يساعده في ترسيخ مفاهيم بعينها تخدم هذه الأيديولوجية، وكان الطريق الأمثل لتحقيق وتسهيل هذه المهمة هو التركيز على التعليم ومناهجه الدراسية. وللأسف الشديد يمكن القول إن هذا التنظيم يملك من الذكاء ما يجعله على دراية بأهمية التعليم في تشكيل وجدان وعقول وقناعات هذا النشء الذي أوقعه حظه العاثر في قبضة التنظيم الذي أعد مجموعة من المناهج الدراسية الكاملة، وحرص فيها على زرع بذرة التطرف والعنف في قلوب وعقول الأطفال أو “أشبال الخلافة” –كما يطلقون عليهم– وتنشئتهم على الأفكار المتطرفة حتى يتشبعوا بها منذ الصغر، فيضمنون ولاءهم في الكبر؛ لهذا أدخل التنظيم مجموعة من الصور للأسلحة والآليات والمعدات الحربية في كتب الأطفال الدراسية ووظف تلك الصور في المسائل الحسابية (الجمع والطرح…) وفي كتب تعليم اللغة العربية، كوضعه لصورة صاروخ كمثال للحرف “ص” وصورة “قنبلة” مثال للحرف “ق” إلخ. كما فعل التنظيم الأمر ذاته مع المواد الدراسية الأخرى مثل المواد الشرعية وكتب اللغة الإنجليزية. علاوة على تخصيص حصص دراسية عملية، يقوم فيها بتعليم الأطفال والطلاب كيفية قطع الرؤوس وصناعة السترات الانتحارية والعبوات الناسفة.   ومثالا على ذلك المحادثة التي وردت في كتاب اللغة الإنجليزية بين أب وابنه، فيها الآتي: قتادة: إلى أين هم ذاهبون؟ الأب: إلى الجهاد.‏ قتادة: لكن، أليس الجو حار للغاية في الصيف!‏ الأب: نعم يا بني، ولكنهم لا يهتمون لهذا الأمر.‏ قتادة: لماذا يا أبي؟ الأب: لأنهم يرغبون في الجنة.‏ قتادة: حفظهم الله.‏ الأب: آمين.   وفي تدريبٍ آخر، يطلبون من الأطفال ملء الفراغات من خلال الاختيار مما بين الأقواس، كما في الجملة الآتية:‏ ‏”أسامة مقاتل يطلق النار في: …” (المعركة، الحديقة، السوق).‏ وفيما يخص عملية تدريس المناهج الشرعية، يغرق التنظيم في الاستشهاد بآيات القتال والآيات التي ورد فيها ذكر المخالفين في الدين، وذلك بعد اجتزائها من سياقها ثم تفسيرها بشكل خاطئ بما يتوافق مع هواه وذلك بهدف زراعة مفاهيم مغلوطة في عقول أشبالهم مثل: كل مخالف “كافر” يستحق النحر. كما يقوم التنظيم في مدارسه بإطلاق عدد من الألقاب الرنانة على هؤلاء الأطفال بدلاً من أسمائهم الحقيقية، وتهيئة الأجواء والبيئة المحيطة بهم لكي يصبحوا “مقاتلين”، حسب وصفهم. وتنقسم المدارس الداعشية التابعة لتنظيم داعش والقاعدة والمتواجدة على أرض الواقع، والبالغ عددها حسب التقارير الدولية حوالي 12 ألف مدرسة إلى ثلاثة أقسام: المدارس الفكرية والدينية: وهي أكثر المدارس الداعشية خطورة لأنها تزرع بذرة التطرف في عقل ووجدان الأطفال وتهيئهم للقتل باسم الدين وتُرسخ الفكر الدموي وتبث كراهية غير المسلمين في نفوسهم، وذلك عن طريق تطويع الآيات والنصوص الدينية حسب أهوائهم ووفقًا لما يخدم أيديولوجياتهم. المدارس القتالية: وفيها يتم تدريب الأطفال على الفنون القتالية والعسكرية بشكل عملي. المدارس العملية: حيث يتعلمون في هذه المدرسة كيفية ذبح الضحايا دون رحمة أو شفقة، ويتدربون فيها على العمليات الانتحارية وحروب العصابات. وذكر أحد الفارّين من داعش، والذي يبلغ من العمر 14 عامًا أن التنظيم: “يقوم بتعليم الأطفال المقاتلين أن كل ما لديهم هو ملك للتنظيم، وبالتالي عندما يُطلب منهم التضحية بحياتهم فعليهم طاعة الأمر”. كما يقوم التنظيم بتعليم الأطفال الإجابة على سؤالين هما: كيف تقتل عدوك؟ وكيف تكون مخلصًا لقائدك أو زعيم التنظيم؟   يعمل التنظيم على تخريج دفعات جاهزة للقتال لا تتجاوز أعمارهم ١٦ عامًا في مجموعات قتالية، وغالبًا ما يتم تجنيدهم كعناصر انتحارية أو جواسيس. وكانت أجهزة الاستخبارات الهولندية قد نشرت تقريرًا يوضح أن 70 طفلًا هولنديًا على الأقل يَخضعون لجميع أنواع التدريبات العسكرية على أيدي الدواعش، بدءًا من استخدام السلاح ووصولًا إلى الهجمات الانتحارية وذلك بعد التحاق ذويهم بصفوف التنظيم في سوريا. وحتى يتمكن التنظيم من تأسيس مدارسه في المناطق التي سيطر عليها (المناطق المنكوبة)، قام أولاً بإغلاق المدارس والجامعات وترهيب أساتذتها وطلابها من الذهاب إليها وإعطاء شريحة من المعلمين “دورة متخصصة”‏ في علوم الشريعة وفقا لمنهجه.‏ كذلك قام التنظيم بتدمير المكتبات الموجودة بهذه المناطق وحرق آلاف الكتب والمخطوطات، ثم بدأ في استخدامها بعد ذلك لتنفيذ أجندته التعليمية التخريبية، وذلك عن طريق تحويلها لمقار تعليمية خاضعة لإشرافه المباشر. من جهة أخرى، لغى التنظيم دروس الفن والتاريخ والجغرافيا والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والديانة المسيحية، كما طلب من المدرسين حذف أي أسئلة تتعلق بالقروض البنكية والممارسات الديمقراطية من انتخابات واستفتاءات وغيرها، ومنع مدرسي الأحياء من تدريس بعض النظريات البيولوجية المتعلقة بالجنس البشري أو الإشارة إليها ومنع تدريس القصائد الشعرية التي تعود للعصر الجاهلي ضمن مناهج اللغة العربية. وعلى مدار الأعوام الماضية، اضطُر ما يزيد عن مليون طالب عراقي ممن يعيشون تحت وطأة تنظيم داعش إلى ترك مدارسهم أو الخضوع لمناهجه الدراسية المتطرفة؛ حيث كشف العديد من هؤلاء الطلاب، ممن حررت القوات العراقية بلداتهم، أن التنظيم تغاضى عن تعليمهم المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة وأجبرهم على تعلُّم كيفية استخدام الأسلحة وتصنيع القنابل وذبح الأسرى.  ومع تراجع داعش وتقلص نفوذه في السيطرة على الأماكن الخاضعة له وضعف قدرته على مراقبة وتنظيم المدارس والقلق المتزايد من عصيان المعلمين، اتجه التنظيم إلى إغلاق المدارس واحدة تلو الأخرى. ومنذ عام 2015 وحتى عام 2016 كان ديوان داعش للتربية والتعليم في سوريا (والمديريات المحلية في كل الولايات التابعة لداعش) متوقفًا بشكل أساسي. وبحلول عام 2017 باتت جميع مدارس داعش مغلقة تقريبًا، وهي نتيجة متوقعة بسبب انخفاض معدلات الحضور وقلة أعداد هيئة التدريس وتدني رواتب المعلمين، فضلاً عن تعرض مدن مثل الرقة للقصف من القوات المعادية لداعش. إلا إن الآلة الدعائية لداعش استمرت في بث صورة وهمية لإنتاج الكتب المدرسية الإلكترونية للإيحاء بأن داعش لا يزال لديه نظام تعليمي منظم، وهذا يدلل بشكل واضح على وجود مفارقة كبيرة بين حقيقة داعش على أرض الواقع وبين ما تروجه آلاته الإعلامية المختلفة -التي ترنحت مؤخرا- من صورة زائفة عن التنظيم وتكويناته. مكتبة جامعة الموصل قبل وبعد تدميرها على أيدي تنظيم من داعش   ولم يكتف التنظيم بالمناهج التي يدرسها لطلابه في المدارس الداعشية، بل قام بإصدار تطبيقات حديثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تقوم على تعليم الكتابة العربية عن طريق صور السيوف والبنادق والرصاصات للأطفال من سن 4 سنوات وحتى 14 عامًا؛ وذلك لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانتشار. ومن أبرز هذه التطبيقات تطبيق “حروف” الذي ذكرناه آنفا.   إن المنظومة التعليمية هي الركيزة الأساسية في عملية بناء وتطوير المجتمعات، فالتعليم هو المحرك الرئيس في التنمية، وعليه يبنى الوعي المجتمعي، أي إن التعليم بمثابة شُرْيان الحياة بالنسبة للمجتمعات وبه تحيا الأمم. وقد أعلى الإسلام من قدر العلم وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة، وجعل الشهادة نصيب من يموت في سبيل طلبه وتحصيله، ورفع شأن العلماء وجعلهم ورثة الأنبياء، قال تعالى: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” (المجادلة : 11). كما حفّز رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على طلب العلم بأيّ ثمن فقال: “مَنْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سهَّل اللَّهُ لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ، وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ”. لقد أدرك الدواعش وغيرهم من التنظيمات الإرهابية هذا الأمر وطوعوه وفقا لأهوائهم الضالة؛ وعملوا جاهدين على تأسيس منظومة تعليمية خاصة بهم كي يتسنى لهم التأثير في الأجيال القادمة لضمان ولائهم وتحقيق الاستمرارية لأيديولوجيتهم وفكرهم المتطرف. وفي سبيل الوصول لهذا الهدف يتحايل تنظيم داعش وما يشابهه من التنظيمات المتطرفة على النصوص الشرعية، ويطوعونها بالشكل الذي يتوافق مع أفكارهم المضللة وبما يكفل لهم البقاء، فلا حرج عندهم في اجتزاء النصوص وإخراجها عن سياقها؛ حتى يتحقق لهم المراد في انتهاك براءة الأطفال وتحويلهم إلى وحوش لا تتردد في الفتك بالآخرين. وفي هذه السياق، يرى المرصد أنه إذا أردنا مكافحة حقيقية للفكر المتطرف والإرهابي، علينا البدء بالتعليم ونشر الفكر الصحيح وتعزيز قيم التسامح وقبول الآخر بين النشء، فإنه لا يفل الحديد إلا الحديد، وضباب الجهل لا ينقشع إلا بنور العلم!