القادة نيوز

فقر الفكر

قياتي عاشور

يعاني مجتمعنا الآن أمراضًا مزمنة، لعل أبرزها واكثرها انتشارًا هي السطحية في الحكم على الأمور والانصياع للآراء المغرضة التي تدعم مطالبه وتحقق رغباته؛ فالثقافة كما عرفها عالم الأنثروبولوجيا “تايلور” الذي قدم مفهومًا شاملًا لها بأنها “الكل المركب الذي يحوي العادات والتقاليد والعرف والدين والأخلاق وكل مكتسبات الإنسان بوصفه عضوًا في المجتمع “أي إنها أسلوب حياة البشر”.

فلو دققنا النظر في مكونات الثقافة وحاولنا رصد بعضها أولًا: نجد أن الممارسات التي تحدث داخل المجتمع تثبت بكل وضوح تغير شكله بشكل ملفت جدًّا. ومن ناحية أخرى نرى الدولة ومؤسساتها تتعامل مع تلك الأفكار وتدعمها. ومن أبرز ما شاهدناه الأيام الماضية وجود أكشاك الفتوى في محطات المترو التي نفذتها وزارة الأوقاف بالتعاون مع الأزهر برغم السخرية التي طالت الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي فإن هناك إصرار على وجودها!

 وبدلا من أن تدعو الدولة إلى تجديد الخطاب الديني باعتباره مكونًا رئيسًا من مكونات الثقافة ينعكس بشكل تلقائي على سلوكيات وتفاعلات المصريين، نجدها تصدر فكرة الفتاوى المعلبة للناس وهو ما يعكس حالة مخجلة من الإفلاس والترهل الفكري والثقافي، الذي لابد أن تضع الدولة حلولًا سريعة له حتى لا يصاب المجتمع بالفقر الفكري الذي بدأت آثاره تظهر لنا.

ثانيًا: نجد انقسامًا حادًّا وموجعًا في تفكير المصريين وحكمهم على القضايا التي تخص الرأي العام بين “مؤيد ومعارض” للنظام السياسي الحالي فكل منهم ينظر إلى الآخر بشكل عدواني وصل إلى درجة الوقيعة والخلاف بين أبناء الأسرة الواحدة وهو نتيجة لما تبثه الفضائيات ليل نهار لمعاني التشكيك والتخوين والوطنية الزائفة مما ينعكس بدورة بشكل سلبي على شكل حواراتهم اليومية فلابد من وجود ميثاق أخلاقي يحث على الموضوعية في التناول والطرح حتى لا يشوش فكر المصريين بمثل هذه الطرق ببث السم في العسل.

ثالثًا: اندثرت عاداتنا وتقاليدنا وأصبحت خالية من مظاهر الرأي واحترام الرأي الآخر والموضوعية وانعدام الحرية فأصبحت عقولنا صغيرة تناقش طول الوقت الماديات فقط، وهي بعيدة كل البعد عن القراءة والبحث وطرح الأفكار على جميع المستويات. فعلى سبيل المثال وليس الحصر عندما نجد أحدًا يوجه انتقادًا للنظام الحالي أو يبرز مظاهر ضعف الحكومة في معالجة بعض المشاكل فلابد أن تتسع الرؤية ولندرك أن هذا يحدث تحت قيادة رئيس مدني خلع عباءته العسكرية، فلا يجوز بأي حال من الأحوال وضع الجيش في المعادلة لأنه جيش يحمي ويدافع عن دولة وليس جيش رئيس أو نظام وعلى أثره يتم تبادل الاتهامات بالتخوين والعمالة ويزايدون على الوطنية بأبشع الكلمات لدرجه رايتها محزنة أو قل مبكية.

هذا بعض من كل وما نراه يحدث نتيجة لعدم إعمال العقل والمنطق وتغليب الأهواء ونتيجة لسيطرة الفكر الواحد الذي ضرب مفاصل العقل الجمعي لدى قطاع كبير من المصريين وإصابه بنوع من التوهان.

فهذه السطور هي دعوة لتصحيح المسار والرجوع إلى حالة الإنسان المعتدل، ودعوة للحرية وعدم الحكم على الآخر من منظور أحادي وتقبل وجهات النظر المختلفة، ودعوة إلى القراءة لأن الإنسان القارئ يستطيع رؤية ضعف ما يراه الآخرين. وبالتالي سيكون له وجه نظر معتدلة قويمة. يجب على الدولة أن تتبنى تطوير في المناهج التعليمية التي تخص السلوكيات والتعامل مع الآخر ووضعها في المقررات ولنا في اليابان في هذا الشأن قدوة.