القادة نيوز

فرج عبد الحميد المسماري يكتب …( الشقيق الأسود)

فرج عبد الحميد المسماري

 

في بداية الخلق لا يعلم أحد كيف كانت ألوان البشر! وكم كانت أطوالهم ، وما مقدار أوزانهم وأحجامهم ! ولكن كان هناك ما يمكننا أن نتقف عليه منذ بداية الحياة البشرية وإلى نهايتها ألا وهو العقل الإنساني والإحساس والضمير والقيم.

إننا نستطيع القول إن الإنسانية عاشت لفترة طويلة بدون ألوان أي إنها كانت تتعامل وتتخاطب وتتفاعل بغض النظر على أي لون كان ، وكان مقدار التعامل وميزان التفاعل وممارسة الحياة يسيرها ويغلب عليها الطابع الإنساني والمشاعر الفطرية التي وحدة الله بها البشر في كل مكان.

لقد كانت الإنسانية هي الأقوى في برنامج الحياة الأولى ، حتى بعد أن توالدت وكثرت البشرية توالدت معها إمكانية التخاطب والتفاهم وتبادل المصالح وذلك باكتشاف الرموز الدالة على المفاهيم حتى وصل إلى المفردات اللغوية ، وكان من خلال هذه المعاناة في المراحل الأولى من الحياة لم يتفرغ الإنسان إلى استخدام الأوصاف والألوان في موازين الحياة المختلفة.

ولكن بعد أن توسعت المدارك والمصالح وبعد أن تراكمت المفاهيم تفتحت أمام الإنسان أبواب عديدة وترأت له سبل وطرق مختلفة.

لقد توسع الإنسان في اللغة وتراكمت المفاهيم ومن ثم بدأت تنتعش وتتحرك بين جنبيه الطموحات ، لقد كان من الطبيعي أن تتجاوز حركة اللسان والشفتين حركة معبرة عن ظروف الحياة المختلفة وأن تجول في خاطر الإنسان كثير من المعاني الدالة على ضرورة القيام بنشاط معين أو بعمل ما يدل على أن ثمة أفكار ومفاهيم قد وضعت تصوراً يصلح لأن يكون أو يشكل صفحة جديدة من الحياة.

لقد ثبت أن الإنسان يرفض تماماً الاستسلام لرقابة أو روتين الحياة بل هو على استعداد أن ينتفض كل يوم ليزيح غبار الأمس ليبدأ من جديد بثوب آخر ليس هو الذي كان يرتديه بالأمس.

وبما أن الإنسان يعشق التغيير والتبديل كانت تحسب عليه بعض الممارسات التي كان يريد منها وبها تجديد ثوبه القديم بثوب جديد يطلع به تحت ضوء الشمس ليدهش به الآخرين ، فإن الإنسان قد اندفع إلى بعض الأخطاء التي تراكمت وتحولت إلى أزمات إنسانية سيكون ظلها يحجب جزءاً من الشمس لفترة طويلة !!.

لقد ركن الإنسان في فترة من الفترات إلى التمييز العنصري إلى استخدام الألوان…إلى المتاجرة بالبشر أي تجارة العبيد…لقد توسعت المفاهيم الاقتصادية والجشع المادي وهواجس التملك إلى درجة أن يكون الإنسان ثمناً له وزنه وتأثيره في جلب الرفاهية والسعادة لغيره على حساب حقه في الحياه والحرية والسعادة.

 

لقد تداعت أمام تلك الهواجس والطموحات والغايات المادية والتملكية والابتزازية ، تداعت كل الموانع والحدود الإنسانية الأخلاقية والدينية وبدأ الإنسان الأسود يدفع الثمن في كرامته وقيمه وحريته !! وحتى أولاده وحتى وطنه أحياناً.

لقد عاني الإنسان من ويلات التفرقة العنصرية وويلات الميز العنصري ، لقد كانوا يُحشرون في سفن أعدت لجلب الحيوانات وحسب التقارير الصحفية والإعلامية وصل عدد الذين تم إلقاءهم في البحار والمحيطات بلغ خمسة ملايين أفريقي أو يزيد !! أخذوهم بالقوة من أحضان أمهاتهم ، ليس مجرد التهجير فقط ولكن تسبب هذا التصرف اللاإنساني في تدمير أفريقيا فتحولت المزارع والمباني والسدود والقرى إلى أشباح فكانوا يصطادونهم حتى بعد أن تشردوا في الغابات ! التي ألفوها خوفاً ورعباً وإرهاباً…لقد كانت وسائل الإعلام الغربية الاستعمارية تصفهم بأنهم يعيشون مثل الحيوانات أو مع الحيوانات ظلماً وزوراً وقهراً.

لقد انتشر الظلم والعدوان من خلال الاستعمار الحديث لدرجة التوغل بل والغلو في حق الإنسانية التي كان من المفروض أن تتطلع إلى المستقبل بكل ثقة غير أن السحر انقلب على الساحر حين تفجرت الثورة العربية بقيادة جمال عبد الناصر وتحرك المارد الثوري الأسمر الأفريقي وبدأت حلبة الصراع وانتصرت الثورة الأفريقية ورفعت راية الحرية على بقايا الأطلال الأفريقي وحتى على مقابر الضحايا التي كانت تبذل أرواحهم من أجل تراب أوطانهم الغالي.

لقد استطاع هؤلاء القادة أن يقدموا أفريقيا لشعوبها كجوهرة مقدسة ترقص على أنغام الحرية بألحانها الشعبية وبعد أن تحولت أفريقيا إلى بساط أخضر ، وأغنية تبعت ترانيمها مع أنسامها إلى كل مكان.

غير أن فلول الاستعمار وبقاياه مع تطور الأساليب الفنية والتقنية والعلمية لدى الاستعمار الغربي استطاعت أن تحوز على الثروات الأفريقية وأن تسحب من تحت أقدامهم البساط الأخضر وأن تجعل الفقر والجوع والعوز وحتى الجهل والمرض يعاود الكرة إلى ربوع القارة.

وفي هذا الوقت كانت الثورة العربية قد تخلت عن مبادئها فكانت الساحة خالية بعد رحي القادة الثوار ، فتحولت الثروة البترولية إلى بحيرات تحت الأرض في أوروبا وأمريكا.

لقد كان من المفروض ومن دواعي المصلحة ومن الأولى أن تكون الثروات العربية توظف في مصلحة المشاريع الاستثمارية في أفريقيا وأن تقوم بمشاريع زراعية وصناعية وسياحية ونظراً لعدم تقدير الموقف بل وتقدير المرحلة تقديراً حقيقياً ونظراً لتمكن الغرب من سطوته على الإدارة والقرار العربي تحول الاستعمار الغربي إلى أن يتقمص دور المنجد الوحيد والمنقذ الفريد للشعوب الأفريقية.

لقد كان الشقيق الأسود طيلة القرون الماضية صديقاً ورفيقاً وشقيقاً منذ عهد الملك الحبشي الذي احتضن المسلمين الفارين من المشتركين في الحبشة وحتى نيلسون مانديلا.

 

لقد كان على الأمة العربية أن تحمي هذا الصديق التاريخي والذي لم يشهد التاريخ حرباً بينها وبينه أبداً وهكذا شاهدنا بأعيننا كيف يتخطانا الشقيق الأسود ويرمى بنفسه في البحار والمحيطات مستنجداً بالسفاح المجرم الذي كان يذبح أجداده وآباءه ويرمي بهم في أمواج البحار.

إنها مفارقة عجيبة للغاية أن تتدافع جثث الأفارقة مع الأمواج تأكلها الحيتان وتغير عليها الكلاب على الشاطئ ، أموالنا تُحجر عليها في مصارف أمريكا وبريطانيا ومشاريعنا تستثمر لصالح اليهود ولصالح الدوائر الاستخباراتية الغربية والصهيونية.

أن كل الدلائل توحي بأن الجولة القادمة ستكون على شباب الأمة العربية غذاء للحيتان وعلى الشواطئ.

عذراً آيها الشقيق الأسود فإن حبال الفقر والأمية تدنو من رقابنا وسنكون ضيوفك في صقيع أوروبا لنحصل على التدفئة اللازمة منبترولنا الضائع !! إذا لم تلتهمنا حيتان المتوسط فنحن قادمون !!

كاتب المقال أديب ليبي له العديد من المؤلفات في المكتبة العربية