القادة نيوز

افتتاح السفارة الأمريكية بالقدس.. مقاطعة أوروبية ومظاهرات “للعودة”.. وفلسطين: “صفعة القرن”

 
وسط استياء عالمي وغضب عربي، يحتفل الاحتلال الإسرائيلي بنقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، اليوم الاثنين تزامنا مع ذكرى السبعين لقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي والنكبة الفلسطينية.

وأعلن البيت الأبيض أن وفدًا أمريكيًا كبيرًا سيحضر مراسم الاحتفال فى مقدمتهم مستشار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب جيرارد كوشنر وابنته إيفانكا ترامب ووزير الخزانة ومسئوليين كبار بالخارجية الأمريكية.

يقف خلف هذه الخطوة التي وصفتها العديد من دول العالم بأنها “استفزازية”، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي خالف في العام الماضي ما سارت عليه السياسة الأمريكية لعشرات السنين بتأجيل نقل سفارة بلادهم للمدينة المحتلة.

ففي عام 1995، تقدم الكونجرس الأمريكي بمشروع قرار يدعو لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لكن تأجيل تنفيذ هذا القرار استمر في عهد بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك أوباما وحتى عهد دونالد ترامب، وكل ذلك حتى لا تشتعل أكثر القضايا حساسية، وهو ما يمكن أن يمحو أي فرصة للسلام.

وفي ديسمبر من العام الماضي وافقت 128 دولة على قرار غير ملزم في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو الولايات المتحدة إلى التخلي عن اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل. واعترضت على القرار تسع دول بينما امتنعت 35 دولة ولم تشارك في التصويت 21 دولة.

احتفال بحضور أكثر من 32 دولة
أوردت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، قائمة تضم 32 دولة يشارك ممثلوها فى احتفالات إسرائيل بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بحضور إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وجاريد كوشنر، كبير مستشارى البيت الأبيض، على رأس وفد يضم 250 عضوا بينهم وزير الخزانة ستيفن منوشين، ونائب وزير الخارجية جون سوليفان.

ولفتت الصحيفة إلى أنه رغم رفض الاتحاد الأوروبى لقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلا أن عدد من دوله ستشارك فى مراسم احتفالات إسرائيل بهذا الحدث، الذى سيجرى الاثنين، وسط غضب شديد من الفلسطينيين.

وكانت أبرز الدول التى أعلنت حضور الاحتفالات: (ألبانيا، وأنجولا، والنمسا، والكاميرون، والكونغو، والكونغو الديمقراطية، وساحل العاج، وجمهورية التشيك، والدومنيكان، والسلفادور، وإثيوبيا، وجورجيا، وجواتيمالا، وهندوراس، والمجر، وكينيا، ومقدونيا، وبورما، ونيجيريا، وبنما، وبيرو، والفلبين، ورومانيا، ورواندا، وصربيا، وتايلاند، وأكورانيا، وفيتنام، وبراجواى، وتنزانيا، وزامبيا).

مقاطعة أوروبية
وذكرت “هآرتس”، أن معظم سفراء الاتحاد الأوروبى المعتمدين لدى إسرائيل قرروا مقاطعة الاحتفال الذى سيقام بمناسبة نقل الولايات المتحدة سفارتها من تل أبيب للقدس، معربين عن رفضهم لاتخاذ قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس.

وأشارت الصحيفة إلى أن كلا من روسيا وأستراليا وبولندا وألمانيا وأيرلندا ومالطا والمكسيك والبرتغال والسويد رفضوا إرسال مندوبين لحضور الاحتفال.

وأوضحت الصحيفة أن الشرطة الإسرائيلية، انتشرت فى شوارع القدس خوفا من وقوع أى عمليات من قبل الفلسطينيين، وكذلك لتأمين الشخصيات الرفيعة المستوى التى ستحضر الحفل.

وكانت إسرائيل قد أحبطت بيانًا إدانة أوروبي قبل يومين من نقل السفارة، بالتنسيق مع المجر والتشيك ورومانيا، حيث كان يتطلب موافقة كل الدول الـ 28 الأعضاء في الاتحاد.

وتقدمت فرنسا ودولاً أخرى تقدمت بمشروع البيان بهدف “إحراج الولايات المتحدة الأمريكية” قبل أيام من نقل سفارتها لدى إسرائيل، وذلك لحشد موقف أوروبي موحد ضد الخطوة المرتقبة.

وتضمنت مسودة البيان الأوروبي 3بنود، ينص أولها على أن القدس عاصمة للدولتين، والثاني يشدد على أن وضع القدس يبقى مفتوحاً للتفاوض ويتم تحديده فقط عبر المفاوضات.

أما البند الثالث، فنصّ على أن دول الاتحاد الأوروبي لن تنقل سفاراتها إلى القدس كما فعلت الولايات المتحدة.

ماذا يعني نقل سفارة أمريكا للقدس؟
نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، يعني الاعتراف بكل القدس الشرقية والغربية كعاصمة لإسرائيل واعتراف صريح بالحقوق الدينية والسياسية التي تدعيها وتطالب بها إسرائيل لتطبيقها في مدينة القدس، كما سيجعل التفاوض حول أحقية الفلسطينيين بالقدس، أمر غير وارد على طاولة أي مفاوضات قد تعقد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ماسيؤدي لاستحالة وجود سلام في الشرق الأوسط.

فالقدس أحد أهم مقدرات العرب وفلسطين دينيا وتاريخيا وثقافيا، واعتبارها عاصمة لإسرائيل يعد اغتيال للقضية الفلسطينية التاريخية، كما يعد تجريدا للشعب الفلسطيني بلا هوية.

وكان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وصف قرار نقل السفارة بأنه “صفعة القرن”.

ليست سوى البداية
يعتبر المراقبون أن هذه الخطوة ليست سوى بداية لتنفيذ خطة أكبر، تحدث عنها ترامب في عدة مناسبات ووصفها بـ”الصفقة النهائية”، وذلك من أجل حل “قضية الشرق الأوسط” (القضية الفلسطينية)، والتي بدونها لا يمكن التركيز على قضايا أخرى، مثل وضع حد لطموحات إيران النووية، ومواجهة الإيديولوجيات المتطرفة، كما قال مستشار ترامب للشرق الأوسط وصهره، جاريد كوشنر، المعروف بعلاقاته الشخصية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما أن عائلة كوشنر اليهودية قامت بالتبرع بملايين الدولارات لبناء المستوطنات الإسرائيلية، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وعن خطة ترامب قال كوشنر في منتدى “حاييم صبان”، الذي يحمل اسم ملياردير اسرائيلي أمريكي معروف بدعمه لإسرائيل، إن كلاً من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني على علم بما تم مناقشته معهما، وأضاف: “عليكم أن تركزوا على حل القضية الكبرى. إن الحركة الديناميكية الإقليمية تلعب دوراً كبيراً في ما نعتبره فرصا، لأن عددا كبيرا من هذه البلدان يسعى إلى فرص اقتصادية والسلام لشعوبها”.

إعلان القدس وتأجيج التطرف
كانت الرسالة التي وجّهها ترامب إلى العرب أن يتعاملوا مع قراره “من خلال نقاش عقلاني، وليس عبر اللجوء إلى العنف”، وأن “يطردوا المتطرفين من وسطهم” دون أن يدرك أنه ساهم في تأجيج التطرف عبر قضائه على كل الآمال بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس.

حركة “حماس”، التي كانت منفتحة على المصالحة مع “فتح” ووافقت لأول مرة على قيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، أعلنت رداً على إعلان ترامب بأن هذا الأخير “فتح أبواب جهنّم”.

كما ستستغل إيران و”حزب الله” هذا القرار ويستخدمانه ذريعة لزيادة عدوانهما. قد يشنّ متشدّدون إسلاميون من مختلف الأطياف هجمات على المصالح الأمريكية.

وكانت دائما القضية الفلسطينية الذريعة الأولى للتنظيمات المتطرفة لتبرير هجماتها واستقطاب الشباب المسلم للدفاع عن القدس.
ويعزز ذلك تقليص الولايات المتحدة للمساعدات المقدمة لوكالة الأنوروا لـ65 مليون دولار ما يؤثر بشكل بالغ على الأمن الاقليمي في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تهديدات إرهابية وتواجه خطر التطرف.

لماذا تلعب القدس دورا مهما في الصراع في الشرق الأوسط؟
تتلخص الإجابة في الدين والسياسة والتاريخ، فبسبب القدس قامت حروب منذ آلاف السنين خاضها سكانها وقوى إقليمية وغزاة من خارج المنطقة.
فالمدينة مقدسة في اليهودية والمسيحية والإسلام ولكل من الديانات الثلاث مواقع لها أهمية كبرى فيها.

وتعتبر حكومة الاحتلال الإسرائيلية القدس عاصمة أبدية موحدة للبلاد رغم أنها لا تحظى باعتراف دولي. ويريد الفلسطينيون أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية.

لكن أهمية المدينة أبعد من ذلك، ففي قلبها يقع تل يسميه اليهود في مختلف أنحاء العالم جبل المعبد ويعرفه المسلمون في أنحاء العالم باسم الحرم الشريف. ويقول اليهود إنه موقع معابد يهودية قديمة لكن كل ما تبقى منها فوق الأرض حائط مما بناه هيرود العظيم يعرف باسم الحائط الغربي يؤدي عنده اليهود صلواتهم.

وعلى بعد أمتار من الحائط موقعان لهما قدسيتهما عند المسلمين هما قبة الصخرة والمسجد الأقصى الذي بني في القرن الثامن ويعد ثالث الحرمين الشريفين بعد مكة والمدينة المنورة.
كما تعد المدينة مزارا مهما للمسيحيين الذين يقدسون الموقع الذي يعتقدون أن المسيح عيسى وقف فيه يعظ الناس وصُلب وبُعث فيه.

هل لبلد آخر سفارة في القدس؟
في مارس الماضي أعلن رئيس جواتيمالا جيمي موراليس أن بلاده ستنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس في الأربعاء 16 مايو، وقبل أيام أعلنت باراجواى نقل مقر سفارتها من تل ابيب إلى القدس، لتحذو بذلك حذو الولايات المتحدة وجواتيمالا.

وكان نتنياهو تحدث في أبريل عن أن نحو ست دول “تبحث بجدية” الاقتداء بالخطوة الأمريكية لكنه لم يذكر اسم أي منها.

ما هي الخطوة التالية المرجحة؟
منذ إعلان ترامب عن قراره وقعت احتجاجات فلسطينية وحدثت توترات سياسية أوسع نطاقا.

وقد حذر قادة عرب في مختلف أنحاء الشرق الأوسط من أن خطوة نقل السفارة قد تؤدي إلى اضطرابات وتضر بالمساعي الأمريكية لاستئناف محادثات السلام المتوقفة منذ فترة طويلة بين اسرائيل والفلسطينيين.

وقتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 40 فلسطينيا في غزة خلال احتجاج حدودي نظمه الفلسطينيون على مدى ستة أسابيع ويبلغ ذروته في 15 مايو وهو اليوم التالي لنقل السفارة الأمريكية والذي يعتبره الفلسطينيون يوم النكبة الذي فقدوا فيه بيوتهم وأراضيهم مع قيام إسرائيل.

ورغم أن الاشتباكات لم تصل إلى مستوى الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى (1987-1993) والثانية (2000-2005) فقد سبق أن تفجرت أعمال عنف بسبب مسائل السيادة والدين.

فيما لا يتوقع سيرجي سيريجيتشيف، الأستاذ المساعد في الجامعة الروسية للعلوم الإنسانية، أي تحرك مهم من الدول العربية، حيث نقلت صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسية قوله: “إن الدول العربية لا تملك الكثير من القدرة على التأثير على واشنطن.. سوف نسمع من الدول العربية الكثير من الكلمات الغاضبة، ولكن ليس أكثر من ذلك… والجامعة العربية لا تستطيع أن تفعل أي شيء للأمريكيين.. والفلسطينيون يعتمدون أيضا على الأمريكيين، ويعيشون على أموالهم.. وموسكو قد تقول إن هذا يمثل تدخلا صارخا في النسيج الرقيق للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لكن روسيا لا تستطيع أن تفعل شيئا أكثر من ذلك: إسرائيل شريك مهم لها، أهم بكثير من فلسطين”.

ومن جانب العرب، طالبت فلسطين الجامعة العربية بعقد اجتماع عاجل على مستوى المندوبين، الأربعاء المقبل؛ لبحث نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

وقال سفير فلسطين في القاهرة ومندوبها بجامعة الدول العربية دياب اللوح، إنه تقدم بهذا الطلب إلى الجامعة بناءً على توجيه من الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وتعهدت حركة المقاومة (حماس) الأحد، بالتصدي لما يُسمى “صفقة القرن” المزمع أن يطرحها الرئيس الأمريكي حتى إفشالها؛ حمايةً للقضية والثوابت الوطنية، مؤكدةً رفضها رفضًا قاطعًا.

ودعت حماس في بيان للذكرى السبعين للنكبة أبناء شعبنا الفلسطيني للمشاركة الجماهيرية الواسعة في مسيرة العودة الكبرى في كل مكان، محذرةً من نفاذ صبر شعبنا وانفجاره في وجه المحاصِرين.

وأعربت حماس عن رفضها جميع الاتفاقات والمبادرات ومشروعات التسوية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو الانتقاص من حقوق شعبنا الفلسطيني.

ويستعد الفلسطينيون في أماكن تواجدهم كافة الاثنين 14 مايو للمشاركة في “مليونية العودة وكسر الحصار”، بالتزامن مع نكبتهم السبعين وقرار الإدارة الأمريكية نقل سفارة بلادهم للقدس المحتلة فيما يُسمى بذكرى قيام الكيان الإسرائيلي.

وتأتي المسيرة-وفق المنظمين- للتأكيد على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هُجروا منها عام 1948، ورفض المخططات الرامية لتصفية قضيتهم، وللمطالبة بإنهاء الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 12 عامًا.

ومن المتوقع أن يشهد اليومين المقبلين (14 و15 مايو) تظاهرات واحتجاجات شعبية واسعة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، والأراضي المحتلة عام 1948 والشتات، بالإضافة إلى مسيرات داعمة ومساندة في معظم العواصم العربية والإسلامية والغربية.

ومنذ انطلاق “مسيرات العودة الكبرى” في 30 مارس الماضي، والفلسطينيون يواصلون الاحتشاد على طول السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة شرقي قطاع غزة، رغم قمع قوات الاحتلال لتلك المسيرات السلمية، واستخدامها “القوة المفرطة والمميتة” والأسلحة المحرمة دوليًا، ما أدى لاستشهاد 48 مواطنًا وإصابة 9520 بجراح مختلفة وبالاختناق.

إلى ذلك، ألقت طائرات عسكرية إسرائيلية، الأحد، منشورات على مناطق متفرقة في قطاع غزة تهدّد الفلسطينيين بتعريض حياتهم للخطر في حال اقتربوا من السياج الحدودي للقطاع.

وجاء في المنشورات، التي نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي نسخة منها عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن “الجيش سيدافع عن مواطني دولة إسرائيل وسيادتها، وسيعمل ضد عمليات (حركة) حماس التي تنفّذها عبر عمليات الإخلال بالنظام”.