القادة نيوز

زيارة واشنطن.. مهمة وطنية قومية وإنسانية

هبة عبد العزيز

عندما شرعت فى الكتابة عن زيارة السيد الرئيس لواشنطن، تبادر إلى ذهنى هذان المشهدان:

– أولهما: هذا الكلام الذى صدم الحاضرين فى منتدى «باكو» الأسبوع الماضى على لسان «لوتواك» المستشار الحكومى لأكثر من إدارة أمريكية سابقة منذ عهد «ريجان» والباحث فى مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية حيث قال: .. و«ترامب» هو الرئيس الوحيد الذى لديه (استراتيجية) لمدة 8 سنوات.. ويمكننا أن نضع هدا التصريح تحت عنوان (الاستراتيجية) وهى «الخط العام طويل المدى لتحقيق الأهداف الكبيرة». وكما هو معلوم أن (الاستراتيجيات) تختلف فى مفهومها عن (السياسات) فالأخيرة تعنى «منهجية العمل».

وهى ما ستنقلنا بدورها للمشهد الثانى، فمنذ شهر تقريباً كنت قد استمعت لحديث تليفزيونى للصحفى الأمريكى «ديفيد إيجنشيوس» جاء فيه: إن (سياسة) «ترامب» ما زالت فى طور التكوين والتشكيل، وأن حواراته مع القادة فى العالم هى التى ستسهم فى بلورة العلاقات واتخاذها لشكل معين.. ودلل على ذلك بالتطور فى موقفه بشأن قضية المستوطنات الإسرائيلية، حيث طالب «نتنياهو» بوقفها بعد حواره مع بعض القادة العرب.. مما جعلنى أفكر بأن هناك فرصة لا بأس بها للرئيس عبدالفتاح السيسى فى المساهمة فى تشكيل وبلورة بعض أفكار «ترامب» بشأن عدد من القضايا من خلال زياته.

وحيث إن (الحرب على الإرهاب) تعد أهم تلك القضايا، فتحت هذا العنوان الكبير أرى أن مصر يمكنها – إن جاز التعبير بحسب المثل الشعبى – أن تصيب عصفورين بحجر واحد أو لربما ثلاثة:

– فالأول وطنى أو (داخلى): وذلك انطلاقاً من «أولوية الحرب على الإرهاب» التى كثيراً ما ترددها الإدارة الأمريكية، تستطيع مصر أن تستعرض رؤيتها واستراتيجياتها فى كيفية مواجهة التحديات الإرهابية التى تتعرض لها، وتتصدى لها وحدها مند عامين ونصف تقريباً، ويعيد سيادة الرئيس ويكرر ليؤكد مجدداً ما كان قد أوضحه مند توليه الحكم، وطالب به المجتمع الدولى، وأمريكا على وجه الخصوص، بضرورة تبنى استراتيجية متكاملة لمكافحة الإرهاب عالمياً، وأهمية الاستعانة بما يسمى الحرب الفكرية وعدم الاقتصار على القوة العسكرية.

– والثانى يتعلق (بالقضية الفلسطينية): وذلك من خلال التأكيد أن القضاء على الإرهاب بالمنطقة لا يمكن تحقيقه دون تسوية النزاع الفلسطينى – الإسرائيلى، وذلك بالتأكيد على حل الدولتين واحترام الشرعية الدولية بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967م.

– وأما الثالث فعربى إقليمى أو (خارجى): وذلك بتوضيح واستعراض مبادئنا المصرية الشريفة فى التعامل مع الأزمات التى تمر بها الدول العربية فى منطقة الشرق الأوسط والتى من أهمها: عدم التدخل فى الشأن الداخلى للدول، والتأكيد على الحلول السلمية والسياسية، وكذلك المحافظة على وحدة الأراضى، بالإضافة لنزع سلاح الميليشيات والجماعات المتطرفة.. الأمر الذى يبين ويفسر طبيعة موقفنا من عدم الانضمام لأى من الأحلاف السياسية والعسكرية تاريخياً ومستقبلياً.

ولعلنا لاحظنا أيضاً منذ ما يقرب من أسبوعين تراجع وزير الدفاع الأمريكى عن ترشيح السفيرة السابقة بالقاهرة «آن باترسون» لشغل منصب مساعد الشئون السياسية، فمن المعروف عنها دعمها للإخوان ومعاداتها لإرادة ملايين المصريين فى تصحيح مسار ثورتهم فى 30 يونيو. وظنى أن تلك بداية جادة لرؤية مختلفة ترى أن مصلحة أمريكا الآن فى مناهضة تلك الجماعة، حيث راق للإدارة الجديدة أو لاح فى الأفق لواشنطن أنها تشكل الخطر الأكبر على مستقبل السلم، واحتمال إدراجها على قائمة التنظيمات الإرهابية أصبح ليس ببعيد سواء فى أمريكا أو خارجها، وخاصة بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة التى تعرضت لها العاصمة البريطانية، حيث جاءت بمثابة جرس إنذار مدوٍ للندن التى تؤوى تلك الجماعة، والتى تعد بدورها المفرخة لأعتى التنظيمات الإرهابية المعادية للإنسانية. فبرغم بشاعة الحادث من الناحية الإنسانية، إلا أنه على المستوى السياسى قد يترتب عليه نتائج إيجابية بشأن اتخاذ بريطانيا لإجراءات تتناقض مع مبايعتها السابقة الدائمة والمستمرة لتلك الجماعة، فما عاد من الممكن إخفاء دور الإخوان فى تأجيج نذر الخطر المحدق على العالم.

وحتى لا نذهب بعيداً، فأعود معكم لاستكمال ما بدأته من تدوين لبعض ملاحظاتى الفترة الماضية المتعلقة بالإدارة الأمريكية الجديدة، حيث استوقفنى أيضاً حضور الوزير «سامح شكرى» اجتماع التحالف الدولى ضد «داعش» بواشنطن، وكذلك تعيين «دينا حبيب» المواطنة المصرية بمنصب مساعد مستشار الأمن القومى، بالإضافة لعدد آخر من المشاهد الواجب أخذها فى الاعتبار عند حديثنا عن أول زيارة رسمية -منذ سنوات- من الدولة المصرية للولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصاً أن العلاقات بين البلدين كان قد اعتراها الفتور فى أواخر حكم الرئيس الأسبق «مبارك»، كما أنها أيضاً الزيارة الأولى بعد ثورتى المصريين فى 2011 و2013 م بما جرى فى تلك الفترة القصيرة المدة والمتلاحقة الأحداث من تطورات منها ما هو خطير ومنها ما هو شديد الحساسية على المستويات الداخلية للبلدين، وكذلك على مستوى الأوضاع الإقليمية والدولية.

وكل المؤشرات السياسية السابقة تقول إن إدارة «ترامب» عازمة على إغلاق الصفحة القاتمة التى خطتها إدارة سلفه «أوباما»، مع ملاحظة أن حديثنا هذا لا يعنى أن مستقبل العلاقات بين البلدين سيكون خالياً من التحديات، ولكن من المنتظر أن تعزز زيارة السيد الرئيس لواشنطن هذا الأسبوع الملامح الإيجابية، وتبرز الفرص الجيدة للتفاهم حول عدد من القضايا الشائكة، فقد تجلى أن المسألة لم تعد تحتمل المزيد من التوترات، كما حدث فى السابق وذلك لمصلحة الطرفين.

فواشنطن قوة عظمى صاحبة دور محورى فى العالم ولها مصالحها، ومصر قوة إقليمية حيوية تتحرك فى إطار استقلالية سياستها وتنوع دوائرها وانفتاحها على قوى أخرى مثل روسيا والصين وفقاً للمصلحة القومية ومصلحة شعبها، وبعبارة أخرى فالعلاقات تحولت إلى حد ما من نمط التبعية فى بعض الأحيان إلى نمط من الاستقلالية.

وهناك نقطة مهمة وددت المرور عليها باختصار قبل أن أختتم مقالى، فأتمنى ألا تخلو الأجندة المصرية من الحديث عن الإسلام الحقيقى، وأيضاً توضيح مدى خطورة تصوير الحرب الأمريكية على الإرهاب على أنها حرب ضد الإسلام، لأن ذلك من شأنه أن يزيد العداء لأمريكا فى العالم الإسلامى، وظنى أن التركيز على ذلك سيكون محل تقدير من التيارات الليبرالية الأمريكية، والأهم أنه سيكون تعبيراً عن صوت ملايين المسلمين المعتدلين الذين تضيع أصواتهم وسط الصخب العالى سواء داخل أمريكا أو خارجها.

وأخيراً.. فعندما نذهب إلى السوق لشراء سلعة ما فإن أول سؤال نوجهه لأنفسنا هو: هل لدينا المقابل؟ وما يحدث فى السوق يحدث أيضاً فى السياسة، فالمصالح لا تقتنع إلا بالمصالح. وأرى أن مصر ذاهبة لواشنطن اليوم بأهداف محددة، وسلة من المصالح المتبادلة والمشتركة.

نقلا عن جريدة الوطن