نشر وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، مقالاً هاماً على موقعه وصفحته تحت عنوان: “الإسبال المنهي عنه” . قال فيه:
“عَنِ ابْنِ عُمَرَ، (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا): أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: (لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّثَوْبَهُ خُيَلاَءَ) ، وفي رواية أخرى قال : (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مَخِيلَةً لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِيَوْمَ القِيَامَةِ) .
وفي الحديث عن مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قال : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : ” إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ “، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ) قَالَ مُوسَى : فَقُلْتُ لِسَالِمٍ : أَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ ذَكَرَ إِلَّا ثَوْبَهُ ”
وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) أن النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ) رأى رَجُلًا يَجُرُّ إِزَارَهُ ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟فَانْتَسَبَ لَهُ،فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، فَعَرَفَهُ ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَاللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَبِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، يَقُولُ: «مَنْ جَرَّ إِزَارَهُلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا الْمَخِيلَةَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ (رضي الله عنه) أن النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ) قَالَ: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْوَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) قَالَ : فقالها رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا، قَالَأَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَارَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِالْكَاذِبِ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قَالَ: (مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَالإِزَارِ فَفِيالنَّارِ).
وبالنظر في الأحاديث سالفة الذكر نؤكد أن العلة التي بُني عليها النهي عن طول الثياب هيالخيلاء ، التي تعني الكبر والبطر والاستعلاء والتكبر على خلق الله (عز وجل)مباهاة ومفاخرة بطول الثياب الذي كان يعد آنذاك مظهرًا من مظاهر الثراء والسعة ، بل إن رواية ” لا يريد بذلك إلا المخيلة “ قدحصرت النهي في الكبر والبطر ، فمتى وجدتالخيلاء كان النهي والتحريم، ومتى زالت الخيلاء زالتعلةالنهي والتحريم, وقد ذكرت هذه العلة صراحة في الأحاديث : الأول والثاني والثالث والربع.
أما حديث “ما أسفل من الكعبين فهو في النار” ، وحديث ذكر المسبل في الثلاث الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة , فكل منهما حديث مطلق, وإذا اجتمعالمطلق مع المقيد يحمل المطلقعلى المقيد.
وما دام التقييد قد ورد في أحاديث أخرى تؤكد أن النهي عن الإسبال متعلق بالخيلاء كانت هذه هيعلة النهي والإثم لا مجرد طول الثياب.
وذكر الإمام النووي (رحمه الله) أن التَّقييد بالجرِّ خيلاءيخصِّص عموم المسبل إزاره، ويدلُّ على أنَّ المرادبالوعيد من جرّه خيلاء، وقد رخَّص النَّبيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) في ذلكلأبي بكر الصِّدِّيق (رَضِيَ اللهُعَنْهُ) وقال: لست منهم يا أبا بكر إذ كان جرّه لغير الخيلاء.
وقال ابن حجر (رحمه الله ) : استدل بالتقييد في هذهالأحاديث بالخيلاء على أن الإطلاق في الزجرالوارد في ذمالإسبال محمول على المقيد هنا، فلا يحرم الجر والإسبالإذا سلم من الخيلاء .
ويقول الحافظ العراقي (رحمه الله ) : وأما الأحاديثالمطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار فالمراد به ماكانللخيلاء ; لأنه مطلق ، فوجب حمله على المقيد.
ويقول الشوكاني (رحمه الله) : لا بد من حمل قوله “فإنهاالمخيلة” في حديث جابر على أنه خرج مخرجالغالب, فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجهًا إلى من فعلذلك اختيالا , والقول بأن كل إسبالمن المخيلة أخذًا بظاهرحديث جابر ترده الضرورة , ويرده قوله (صلى الله عليهوسلم) لأبي بكر : ” إنكلست ممن يفعل ذلك خيلاء“.
وروي أن أبا حنيفة (رحمه الله) ارتدى رداءً ثمينًا قيمتهأربعمائة دينار وكان يجره على الأرض فقيل له :أولسنانهينا عن هذا ؟ فقال : إنما ذلك لذوي الخيلاء ولسنا منهم.
وبما أننا أكدنا وما زلنا نؤكد أن أمر اللباس من قبيل العادات وليس من قبيل العبادات , فالعلة في النهي مبنية على الكبر والبطر والخيلاء, فمتى وجد أي منها كان النهي منصبًّا عليه , ومتى زالت هذه العلل زال النهي , مع تأكيدنا على ضرورة مراعاة ما يقتضيه الذوق العام والحفاظ على نظافة الثوب من أن يؤدي جَرُّه إلى حمل النجاسات ونحوها.