الدكتور احمد اسماعيل يكتب:
لست أُفَضّلُ الكتابة بما يوحي بالوعظ أو الارشاد فلست أهلا لذلك وأنا أحوج إليه.
ولكن دفعتني الأزمة الأخيرة للأستاذ الدكتور مبروك عطية الى وقفة لمحاولة فهم الموقف. لا أمتلك من الأدوات ما يسمح لي بمناقشة الشيخ كواحد من محبيه الذين يحترمونه كونه عالم ذاع خبره في الوطن العربي كله ، وما لى من سبيل للاستيضاح منه شخصيا ربما لديه مبرراته.
وما شاهدت مما تم عرضه من الشاشات في رمضان شيئا على الاطلاق. غير انى تتبعت بعض لقطات من برنامج مدفع رمضان ورأيت ما في ظاهره من تقديم المساعدات وما في باطنه من اهانة متعمدة وصريحة للمجتمع المصري خاصة ما يتم تعمد تسريبه من مشاهد كواليس التصوير المهينة. ولكن لم يكن هذا مستبعدا على هذا الممثل الشاب المثير للجدل الذي يعتلي موجة عاتية تتعمد اكتساح وإغراق القيم المجتمعية، وستبقى مصادر تمويله ومن أين له هذا مصدر جدل الى ان ينكشف أمره.
أما ما كان غير مقبول او متوقع هو ما شاهدناه من برنامج “كلام مبروك”. وكَتَبَ غيري وكتبتُ على صفحاتاتنا مطالبين بتقديم النصيحة للرجل لعله يعتذر عما يفعل. ومنا من كان اكثر حسما فطالب بعزل الرجل ومنعه من الإعلام.
وكان ما هو متوقع من قرار استدعاء وتحويل أ.د.مبروك عطية للتحقيق وما ينتظره من قائمة عقوبات قد تسفر عنها التحقيقات الإدارية والتأديبية وفقا للقوانين والأعراف الجامعية.
ولكن لكل أزمة دروسا مستفادة. ولا اقصد بها ان نجعل من الرجل عبرة لمن يعتبر ، فهو له قدره وما لنا ان نصدر الأحكام. ولكن ما اقصده من الدرس المستفاد هو ما قادني إليه التفكير من تأملات في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يودّع الجيش او يودّع رجلا من أصحابه يقول (استودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك). وتعددت الشروح وتفاسير معاني هذه المفردات الثلاثة. وبالنظر الى أزمة كلام مبروك نجد أن الثلاثة قد أصابهم ما أصابهم. لا نشك او نشكك في دين الشيخ حاشا لله، ولكن برنامجه كان يبث فيه معلومات دينية وظاهر قصد البرنامج تثقيف ديني، حتى ان احد ضيوفه المثيرين للجدل قام بتجويد آيات من القرآن ولَحَن فيها. و “أمانتك” فالعالم الجليل ليس شخصا عاديا وإنما هو مؤتمن على ما تَعَلّم وما يُعَلّم ومن يُعَلّم، وتبقى المُوجِعَة الثالثة وهي “خواتيم الأعمال” وهي ما يعمله الواحد منا في ختام عمره وآخر حياته. وهنا تأملتُ كثيرا في عظمة الدعاء، ومدى دقة وحساسية موقف الانسان في المحطات الاخيرة من حياته، والتى ربما تكون عاجلة او آجله. خواتيم الأعمال كفيلة بأن تعالج كل تصدّع فيما مضي، وأيضا كفيلة أن تقوّض كل بناء مهما ارتفع. قضي الرجل أكثر من نصف قرن من الزمان استاذنا وداعية في اروقة المساجد وقاعات المحاضرات ومنصات الندوات، وما تجاوز الربع قرن منها اعلاميا يعلو شأنه ويذيع صيته ويجتمع حوله جمهوره. وفجأة ينْفُض البرنامج عن الرجل ثوب الوقار، وينفَضُّ من حوله الناس، بل ويطالبون بمعاقبته بما يتناسب مع خيبات توقعاتهم فيه.
وكان في هذا تأكيد على أمور منها أن المجتمع المصري مهما قبٍل من تجاوزات وازمات وتعايش معها، ولكنه يظل محافظاً على ثوابت لا يقبل المساس بها، خاصة ما يتعلق بالدين وهيبة علمائه وأزهره. ومن هذه الأمور ايضا جرس انذار لكل انسان ألا يغتر بعمله، فالله كل يوم في شأن يرفع اقواما ويخفض اخرين ، وما أصعب ان يواكب الخفض خواتيم الأيام. ونهايات الأعمال، وقد أوشك الراكب ان يدرك محطة الوصول، ساعتها تكون المصيبة كبيرة والخسارة مضاعفة والحسرة لا تنفعها عَبْرة.
أكرر اعتذاري إن اخذ الكلام مسار الموعظة فلست أهلا لأن اكون ناصحا وانا من يستحق النصح. ولكنها كلمات كتبتُها من مُستَهلّ الوجع مما يتراكم في رؤوسنا ويجثم على صدرونا مما نراه كل يوم من نوائب الدهر واختلال المعايير وضياع قيم المجتمع مما يهدد الحاضر ويرسم ملامح مستقبل لا نتمناه.
لا اقصد ابدا التقليل من شخص الاستاذ الدكتور مبروك عطيه فأنا من محبيه، ويستهويني منهجه في تبسيط المفاهيم بالرغم من عدم استساغة بعضها احيانا . ولكنه إجمالا رجل له قدره. معلّم لأجيال تخرجوا في محراب علمه.
وتبقى رسالتي ورجائي ان يبادر العالم الجليل بالاعتذار لجمهوره، معلنا خطأه في تقدير الأمور، ولن يُعْدم البلاغة وأدوات الإقناع، وجمهوره الطيب سيقبله ويلتمس له عُذره. جلّ الله الذي لا يُخطىء، والرجوع الى الحق خيرٌ من التمادي فيما يُخالفه.
حفظ الله مصر ، أرضا وشعبا بعلمائها وأزهرها وكل من يحمل في قلبه غيرةً عليها.