تتطلع أنظار الفلسطينيين إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن وعده لإسرائيل نقل السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس، هذا القرار الذى قد يتخذه «ترامب» فى أى لحظة سيشعل المنطقة ويدخلها دائرة الانقسام، فهناك مصالح وسياسات ستتقاطع مع معارضة القرار وتضع دولاً عربية فى حرج بالغ، وفى المقابل فإن عدم اتخاذ موقف حاسم من قرار «ترامب» الأرعن سيدخل المنطقة فى أتون صراعات كارثية، عندما تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسى الاتصال الهاتفى من الرئيس الأمريكى كان «ترامب» ودوداً ومتفهماً للموقف المصرى الذى يقف وحيداً فى محاربة إرهاب «داعش» والتكفيريين فى سيناء، ووعد بفتح صفحة جديدة من السياسة الأمريكية تجاه مصر وفك الحظر عن المعونة الأمريكية العسكرية التى جمدتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وهو بلا شك تغير جذرى فى السياسة الأمريكية تجاه مصر بعد حصار سياسى واقتصادى فرضته الإدارة السابقة وأثر بشكل مباشر على الوضع فى مصر، غير أن هذا الود الذى حاول «ترامب» مد جسوره مع مصر على أهميته يتعارض بشكل جذرى مع موقفه من الفلسطينيين على نحو خاص، وتصريحات المسئولين الأمريكيين المتكررة باقتراب نقل السفارة يحرج مصر ورئيسها، خاصة وهو يستعد للقاء «ترامب» فى البيت الأبيض قريباً، مشكلة ربما تضع مصر فى اختبار جديد بعد أن فشلت فى الصمود أمام منع سحب مشروع القرار الذى يدين الاستيطان من مجلس الأمن رضوخاً لضغوط أمريكية إسرائيلية، فقد وضعت مصر فى الاعتبار محاولة بناء مرحلة جديدة من الثقة مع الولايات المتحدة مع تسلم «ترامب» السلطة، ورغم أن الموقف المصرى كان مفاجئاً، إلا أنه تم تجاوزه وربما تفهمه من قبَل الفلسطينيين.
لا أعتقد أن قرار «ترامب» بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس مجرد وعد انتخابى رغم تضارب التصريحات الأمريكية والإسرائيلية على توقيت تنفيذ القرار، كما أنه لن يمر مروراً عابراً لو تم تنفيذه، لكن ماذا سيفعل الرئيس السيسى بهذا الشأن فى لقائه الأول مع الرئيس الأمريكى وهو على مشارف تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة؟! بلا شك موقف كهذا سيضع «السيسى» فى موقف لا يُحسد عليه، غير أن القدس خط أحمر وقضيتها لا تخضع للمساومة أو التجاهل، فهى قضية مصير وهوية وتاريخ وتراث، والتخلى عنها أو تجاهل ما يخصها سيلقى بظلاله على المنطقة بأسرها، لذا من المهم أن يكون هناك استعداد لأى مفاجآت وتقديرات محسوبة فى حال الإقدام على تلك الخطوة ليس من مصر فحسب بل من كل الدول العربية والإسلامية والأهم من الفلسطينيين وإن كانوا الطرف الأضعف فى المعادلة الدولية.
هناك اقتراحات بأن يكون قرار النقل إذا حصل مصحوباً بتحديد مكانها فى القدس الغربية ومن وجهة نظر هؤلاء فإن ذلك يحسم الجدل ويكون بمثابة اعتراف ضمنى بأن القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية وهو حل لا ينطلى على حكومة الاحتلال الإسرائيلى ولن تأخذ به، إقراراً بأن القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل أياً كان موقع السفارة، وستمضى قدماً فى مخططات التهويد والاستيطان دون اعتبار لقرارات الشرعية الدولية، خاصة أن إسرائيل لا تلقى بالاً لردود الفعل المتوقعة عربياً قياساً على مواقف عربية سابقة تخص مصير القضية الفلسطينية لم يكن فيها العرب موحدين أو حاسمين فى مواقفهم، فالتقديرات فى إسرائيل تشير إلى أنه فى حال تم نقل السفارة فلن يكون رد الفعل دراماتيكياً بشكل خاص! ومن المرجح أن القوى الأمنية الإسرائيلية تستعد لسيناريوهات تطرأ فيها زيادة فى العمليات الفلسطينية ضد الإسرائيليين، لكن لا يبدو أن أحداً يتوقع تصعيد الوضع الإقليمى العام، ومن غير المتوقع أن يكون رد الفعل العربى أيضاً متطرفاً ولن يتعدى حدود الشجب والإدانة حيث إن معظمها وبالذات السعودية معنى باستغلال تغيير الإدارة فى الولايات المتحدة من أجل تحسين العلاقات وتعزيز الاقتصاد ودفع الائتلاف المعادى لإيران.
من الواضح أن سياسة «ترامب» لا تقيم وزناً للفلسطينيين بدليل تجاهل الرئيس الأمريكى للرسالة التى بعثها محمود عباس عبر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يحذر فيها من عواقب نقل السفارة، وإسرائيل بدورها تعرف حدود رد الفعل العربى ولا تكترث له، أما السلطة الفلسطينية فلا تزال تبحث عن طوق نجاة وتدرس الطرق المثلى للتصدى للقرار بالتشاور مع الأردن ومدى التزامها للحفاظ على الوضع التاريخى القائم فى القدس منعاً للمساس به بحكم الوصاية الأردنية التاريخية على المقدسات فى القدس، فضلاً عن مقترحات قدمها ناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، التى يمكن البناء عليها وتتضمن الموقف الفلسطينى الحاسم فى التعامل مع احتمال نقل السفارة وتوضيح مغزى وخطورة هذا القرار لدول العالم والعمل المشترك مع الدول العربية، وبالذات مصر والأردن، لإحباطه، لأن نقل السفارة بالضرورة سيترتب عليه قطع العلاقات مع موظفيها وإغلاق مكتب التمثيل فى واشنطن، وهذه الخطوة تعنى التخلى عن فكرة التوصل إلى حل سياسى عبر المفاوضات والتخلى عن اتفاقات أوسلو وشطب أمريكا كوسيط فى عملية السلام، فهل العرب قادرون على هذه المواجهة المصيرية؟!.