لا شك أن الحق فى العلاج لا يقل أهمية عن الحق في المأكل والمسكن والأمن، فضلا عن كونه أهم صور الأمن التي يحتاجها الإنسان. وليس أقسي على الإنسان من مرض يعتريه ولا يجد تكاليف علاجه. ساعتها تهون كل الدنيا في نظر المريض ومن يعوله – إن وجد له عائلاً- . هذه لحظة يتخوف منها الجميع وكفيلة أن تنغص على الإنسان حياته حيث الخوف من الغد، ومن المرض على وجه الخصوص، وربما من أكثر الفئات التى تقع فريسه العوز والحاجة الى العلاج هؤلاء الذين لا تظلهم مظلة تأمينية للعلاج.
وإن كان تحسين خدمات التأمين الصحي والتغلب على سلبياته من المطالب المجتمعية، لكن قد يكون الأولى هو العمل على تعديل مظلة التأمين لتشمل كل المصريين. ولا تكون قاصرة على أصحاب الوظائف أو المعاشات وفقط. وبنظرة سريعة نجد أن تلاميذ المدارس والجامعات تظلهم منظومة التأمين الدراسي، والموظفون تكفلهم مظلة التأمين الصحي للعاملين المدنيين وغير المدنيين بالدولة، ليتبقي من أهم الفئات التي لا يغطيها أى نظام تأميني هم إما اطفال وشباب تسربوا من التعليم ومعظمهم عند الحاجة للعلاج يجتمع عليهم المثلث المدمر من الفقر والجهل والمرض، والفئة الأخرى هم كبار السن من غير أصحاب المعاشات، وهؤلاء إما حرفيين أو عمال اليومية – كما يطلق عليهم العمالة غير المنتظمة – حيث عاشوا أقسي أنواع الشقاء من أجل لقمة العيش حتي أقعدهم السن أوالمرض أو كلاهما. إضافة الى أصحاب الإعاقات الجسدية من ضحايا الحوادث والذين انقطعت بهم السبل وحالت دون السعي للقيام بمتطلبات حياتهم ومن أهمها الحصول على العلاج.
وليس من العدالة الاجتماعية التى نادت بها كل الحركات الثورية أن تكون هناك فئة من الشعب المصري لا تستظل بظل نظام تأميني صحي يكفل لها الحصول على ما يضمد الجراح أو يسكن الاَلام حيث لا ملاذ بعد الله إلا الوطن.
وعليه وفي ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة التى تواكب اجراءات الاصلاح الاقتصادي الضرورية، يكون على الحكومة أن (تعيد النظر فى منظومة التأمين الصحي وشموليته). وأن تبحث فى الإمكانات المتاحة وغير المتاحة لإدراج هؤلاء تحت مظلة تأمين صحي حتي يجد كل مريض وطناً يحنو عليه بصدق، وطناً يوفر له علاجه باهتمام ويكفل له حفظ كرامته. ولا نكتفي بما تقدمه وزارة الصحة من تلبية طلبات العلاج على نفقة الدولة والتى تحتاج إلى إجراءات ولا تلبي الاحتياجات على رغم أهمية هذه الخدمات.
وربما كان من أهم انجازات مجلس النواب الموافقة على (مشروع قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل) فى ديسمبر الماضي بموافقة أغلبية أعضاء البرلمان. وكان من أهم ملامح هذا القانون فصل التمويل عن تقديم الخدمة الطبية، وأن تتحمل الدولة التكلفة لغير القادرين.
وكان من فلسفة هذا القانون أنه تكافلي بأن يقوم الغني بدوره المجتمعي فيكفل الفقير -على حد ما ذكر-، ووضع القانون تصوراً لاَليات التطبيق بأن يشتمل على ثلاث هيئات الأولى معنية بالتمويل والثانية بتقديم الخدمة الطبية والثالثة معنية بالرقابة على جودة الخدمة. كان هذا كلاماً مبشراً رغم ما عليه من تحفظات. ولكن مازال هذا القانون لا يعبر عن حاجات المصريين غير القادرين، ولم يخرج إلي النور ويطبق بالشكل الذي يؤدي الغرض منه. وربما تكون اَليات توفير الميزانيات اللازمة هو التحدي الأكبر أمام الحكومات المتعاقبة. وربما تأكد الاَن أن الاَليات الموضوعة لتنفيذ القانون كانت من الصعوبة بمكان، فالاعتماد على التكافل الأسري ودور الغني تجاه الفقير وما إلى ذلك كلها أمور نسبية قد تكون عوامل مساعدة لا أساسية فى تطبيق القانون خاصة اذا تركت بدون ضوابط ولوائح ملزمة للشركاء.
وقد تكون بعض الحلول التى نطرحها فى هذا المقال لتخضع للمناقشة لبحث إمكانية تطبيقها من خلال الاعتماد على عدة مصادر للتمويل ولضمان تكافل صحي لغير القادرين بشكل تحكمه لوائح محددة. ومن هذه الاَليات مثلاً:
– أموال التأمينات التى من المفترض أنها مودعة لدي الحكومة ويتم استقطاعها من العاملين بالدولة شهرياً بطريقة مباشرة. ماذا لو تم تخصيص نسبة منها لاستثمارها وتوجيه عوائدها لتمويل جزئي لمظلة التأمين لغير القادرين، فالمعروف أن نسبة كبيرة من الذين تستقطع منهم هذه الاموال لا يحتاجون اليها لسنوات ومن الطبيعي أنها تخضع للاستثمار.
– بالإضافة الى ذلك يتم تدعيم هذه المظلة أيضاً من أموال التبرعات – من قبيل ما أشار اليه القانون المذكور سابقا- والتى قد تخصص لها مصارفاً معتمدة على غرار بيت الزكاة والصدقات المصري.
وعليه وفي ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة التى تواكب إجراءات الإصلاح الاقتصادي الضرورية، يكون على الحكومة أن (تعيد النظر فى منظومة التأمين الصحي وشموليته). وأن تبحث فى الإمكانات المتاحة وغير المتاحة لإدراج هؤلاء تحت مظلة تأمين صحي حتي يجد كل مريض وطناً يحنو عليه بصدق، وطناً يوفر له علاجه باهتمام ويكفل له حفظ كرامته. ولا نكتفي بما تقدمه وزارة الصحة من تلبية طلبات العلاج على نفقة الدولة والتى تحتاج إلى إجراءات ولا تلبي الاحتياجات على رغم أهمية هذه الخدمات. ي، فالجمعيات الأهلية قوة لا يستهان بها إذا ما أحسن استثمار جزء من أنشطتها لهذا الغرض.
– دور المستشفيات والمؤسسات العلاجية الخاصة عملاً بمبدأ التكافل ووفقاً لضوابط تضعها مع الحكومة للمساهمة بعدد من الحالات سنوياً.
– تفعيل مشاركة النقابات العمالية أن تكفل ولو عدد محدود لتغطية نسبة من التأمين الصحي لغير المنتسبين لها. وكذلك نقابة الصيادلة والأطباء، وما يمكن أن تقوم به هذه النقابات من دور فعال بإعداد قوائم بأعضائها الذين يمكنهم المساهمة فى منظومة الكفالة لغير القادرين فى إطار مظلة تأمينية صحية كريمة.
– يبقي العامل الأهم وهو زيادة المخصصات للصحة من الموازنة العامة للدولة وما يمكن ان يوجه منها لتدعيم مظلة التأمين الصحي لكل المصريين.
الاَليات المطروحة قد يكون لها ما لها وعليها ما عليها. كلها قابلة للتعديل والمناقشة أو الاستبدال، والأهم هو ضرورة إدراج كل مصري تحت مظلة تأمين صحي.