قراءة أولى: وسط تيار هادر تحمله المجموعات القصصية والروايات المعنية بسرد الواقع؛ تيار يأتي مفعم بنقض الواقع وتشويهه بذريعة غياب المشاعر والقيم الانسانية، يخرج علينا الكاتب حسام ابوالعلا بمجموعته (الكيس الأسود) سابحاً عكس التيار. مجموعة معنية في المقام الأول بالمشاعر، كقنبلة بيضاء هادئة وسط كم من الصخب والتشويه المنظم لقيمنا التي قام عليها المجتمع، مجموعة بريئة، تجمعت فيها كل مقومات البراءة السردية، لم يلجأ الكاتب لألعاب ذهنية تورط القارئ في اشكاليات فلسفية، ولا أفكار تحريضية لرفض الواقع بالوقوع في حبائل اليأس والانعزال، لم يحاول دفع القارئ قسراً للدخول في عالمها، بل دعته بهدوء وبراءة متناهية للجلوس أمام مرآة ذاته ليرى ما قد غفل عنه في شخصيته ومكنون ضميره وكانه يعود به لزمن ما قبل أول جريمة قتل حدثت في التاريخ وظلت تشغل مخيلة العالم حتى الأن، وتذكره أنه في الأصل أنسان، جبل على الطيبة والبراءة قبل أن يأخذ هذا العالم وجهه القبيح. قراءة أخرى: مجموعة قصصية قد تبدو طيبة بريئة، لكنها أيضاً متواطئة على القارئ، بالطرق اللطيف على معدنه الأصيل وجعله يفكر في هذا الزمن الجميل الذي لم يذهب بكليته أدراج الرياح، وأن هناك أمل باق في عودة سطوة المشاعر الطيبة إلى صدارة المشهد العام. المجموعة من خمسة عشر قصة، في قراءة متأنية يمكن أن نقسمهم إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول: أول ستة قصص، (الكيس الأسود) و(جحود) و(الكهلة) و(دينا) و(رحلة العمر) و(شقيقي القبطي). يلقي لنا الكاتب فيها بدفقة شعورية مكثفة، تبين الواقع المفترض في ظل حياة مفعمة بالمشاعر النبيلة، مجمل الخير في أرق صوره في قصة (الكيس الأسود)، قسوة التجاهل في قصة (جحود)، والعودة إلى الخير في قصة (الكهلة)، والحنين والوفاء رغم المحن الممثلة تكرار مشهد الموت في قصة (دنيا)، وجدوى الاهتمام بالإنسان والاحساس بآلامه وهمومه الصغيرة في قصة (رحلة العمر) واختتم هذا الجزء بالتأكيد على أهمية التعايش مع الأخر ليصنع مناخ صحي تسطيع أن تسود به المشاعر في قصة (صديقي القبطي). في هذا الجزء صنع لنا الكاتب جواً قد يبدو خيالي، إلا أننا عند النظرة المتأنية نجده الواقع بذاته كما يجب أن يكون. القسم الثاني: يشمل قصص (سحر العيون)، (الابتسامة المفقودة)، (الفراق)، (عودة مخيبة) ، و(اغتصاب). ينبهنا الكاتب في هذا القسم أن الطريق إلى المشاعر ليس مفروشاً بالورود وأنك كقارئ ستصادف حالات تخرج عن السيطرة في الطريق الذي رسمه لك القدر. ففي قصة (سحر العيون) نجد المنفعة تسير برفقة الحب، الذي يتضح لنا في النهاية أنه مزيف، وكانه يحذر القارئ على ضرورة حضور الوعي حتى عند دخول عالم المشاعر الناعم، وتأتي قصة (الابتسامة المفقودة) لتشير إلى انقلاب المشاعر الطبيعية إلى حيز الكراهية، إلا أنه في نهاية القصة وجمل عابرة يظل يؤكد أن المشاعر رغم كل هذا باقية في خلفية المشهد، وفي قصة (الفراق) يظهر فشل المشاعر في تحقيق السعادة أحياناً وعلينا مجابهة هذا بمزيد من المشاعر كي نتجاوز الموقف، وتأتي المشاعر المريضة في قصة (عودة مخيبة) وسقوطها أما سطوة المال كناقوس يحذرنا من وعورة الطريق إلى جنة المشاعر، وفي قصة (اغتصاب) تضيع المشاعر امام الزيف وصروف الواقع المرير. القسم الثالث: ويشمل قصص (ليلة العيد)، و(الغفران)، (ولي العهد)، و(شروق). في قصة (ليلة العيد) يعود لتسود المشاعر لكن بتضحية كبيرة من نصيب السعادة التي نتمناها لأقرب الناس لنا، وفي قصة ( الغفران) يحكي لنا عن ضرورة التعايش؛ بغفران زلات الأخرين كي تستمر السعادة، ويبحث عن المشاعر البديلة في قصة (ولي العهد) للفوز بالسعادة، وفي النهاية، تأتي قصة (شروق) ليضعنا أمام حقيقة لا ينبغي أن تغيب عنا أبداً، أن هناك القدر، الذي يستطيع أن يغير كل ما نطمح إليه من سعادة بمقادير غيبية لا نعلمها، لكن علينا أن نستمر في المحاولة ولا نيأس أبدا. تتنوع القصص من حيث البطل السارد فأغلبها يكون المتحدث ذكر، يسرد أحداث من دنياه التي تتضمن الذكر والأنثى، ولا ينسى الأخر الشريك معنا في درب السعادة، الأنثى، وعن رؤيتها هي الأخرى في حياة المشاعر، فنجد قصص ( جحود) و(اغتصاب) و(غفران) بلسان بطلة حاكية، القصص تأتي ليس انتصاراً للأنثى وقضاياها فقط، بل للتأكيد على أن طريق السعادة عبر أتخاذ المشاعر كمعتنق يجب ان يشمل كل المشاركين لنا في الحياة. أهنأ الكاتب على مجموعته التي سبح بها عكس التيار في زمن تسوده المادة والقيم الزائفة، واتمنى له التوفيق في اعماله القادمة.