مع انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً لفرنسا، يبحث ساسة وصناع قرار في أوروبا عن مستقبل الاتحاد الأوروبي في ظل الزعامة الجديدة في ثاني أقوى بلد في المجموعة الأوروبية، وعما إذا كان بإمكان زعيم الإليزيه الجديد إنعاش الاتحاد الأوروبي.
وفي حال تحقيق ماكرون تقدماً داخلياً سيحظى برصيد سياسي يحتاج إليه للعمل مع ألمانيا لتطوير أجندة سياسة خارجية طموحة لصالح أوروبا هذه القضية شكلت محور مقال كتبه في مجلة فورين أفيرز ثورستين بينر، مدير معهد السياسة العامة الدولية في برلين، بمشاركة ثوماس جومارت، مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس وبروكسل اللذان اعتبرا أن مجموعة من الصور نشرت في وسائل الإعلام الدولية في مارس الأخير، أثارت احتمالين لمستقبل العلاقات بين ألمانيا والاتحاد الأوروبي. فقد أظهرت إحدى الصور مارين لوبان، المرشحة السابقة للرئاسة الفرنسية عن حزب الجبهة الوطنية المتطرفة، في لقائها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين.
وأظهرت صورة أخرى إيمانويل ماكرون، الرئيس المنتخب جالساً مع الزعيمة الألمانية أنغيلا ميركل في مبنى المستشارية في برلين.
وبحسب بينر وجومارت، عبرت الصورة الأولى عن تطلعات مرشحة يمينية طامحة للانفصال عن سياسة خارجية فرنسية تبنتها نخبة بلادها، ودعت لاستقلال إستراتيجي عن الاتحاد الأوروبي، وتوثيق العلاقات مع روسيا.
ومن جهة أخرى، كانت صورة المرشح الذي قاد حملة ليبرالية مناصرة لأوروبا وللإبقاء على علاقات تقليدية بين فرنسا وألمانيا.
ويعتقد الباحثان أن انتخاب ماكرون رئيساً لفرنسا، في 7 مايو الجاري، بنسبة 66% من الأصوات في مقابل 34% نالتها غريمته لوبان، يمثل فرصة نادرة لإنعاش العلاقة “الفرنسية ـ الألمانية”، في وقت تبدو أوروبا في أمس الحاجة لتلك الفرصة.
فإن برلين وباريس تستطيعان، معاً، تقوية الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، وحشد القارة ضد توجهات معادية لليبرالية، وللدفاع بصورة أفضل عن مصالح أوروبية على الساحة الدولية.
ولكن، بحسب بينر وجومارت، لن تكون مهمة ماكرون سهلة، فإنه وبدون جهاز حزبي، ودون غالبية برلمانية، سيكون في موقف هش، ويحتاج ماكرون لطرح سياسات مؤيدة لأوروبا في بلد ينظر غالبية ناخبيه بعين غير راضية للاتحاد، وحيث اتجه معظمهم نحو أقصى اليمين وأقصى اليسار نتيجة استيائهم من آثار العولمة، وبسبب اختلالات اقتصادية وخلافات بين فرنسا وألمانيا بشأن سياسة الاتحاد الأوروبي، أبدى الجانبان استياءً وتذمراً.
ولكن، برأي الباحثين، يتمثل الخيار الحكيم الوحيد أمام البلدين في تجديد التعاون بينهما، وسيكون ماكرون قادراً على طرح خططه لإصلاح التمويل العام الفرنسي وسوق العمل، في حالة واحد فقط، تتمثل في موافقة ألمانيا على الحد من مخاوف الفرنسيين حيال تلك المشاريع، والدخول في استثمارات مشتركة ضمن منطقة اليورو.
وكما يلفت الباحثان، في حال تحقيق ماكرون تقدماً داخلياً سيحظى برصيد سياسي يحتاج إليه للعمل مع ألمانيا لتطوير أجندة سياسة خارجية طموحة لصالح أوروبا، وما لم يكن زعماء ألمانيا مستعدين لتقديم تنازلات، لن تثمر الفرصة التي أتاحتها رئاسة ماكرون لصالح فرنسا وألمانيا وأوروبا.
ويشير بينر وجومارت لاختلالات تعمقت بين فرنسا وألمانيا، خلال العقد الماضي. ففيما تعاني فرنسا من عجز تجاري، تنعم ألمانيا بفائص ضخم (يقدر بـ 33 مليار دولار مع فرنسا لوحدها)، كما تصل نسبة العاطلين عن العمل في فرنسا إلى 10%، فيما لا تتعدى نسبتهم 6% في ألمانيا، وتعد ألمانيا أكبر شريك تجاري لفرنسا، ولكن بالنسبة لألمانيا تأتي فرنسا في المرتبة الثانية بعد الصين، هذا فضلاً عن الفروقات بين البلدين في سياسات الإنفاق العام، والقابلية للتعامل بمرونة مع الأزمات.
وبرأي الباحثين، لبروز حالة معارضة لألمانيا في فرنسا، فقد اتهمت لوبان ألمانيا “باستغلال” باقي أوروبا، كما وصف مرشح اليسار، جان لوك ميلنشون، سياسات ألمانيا الاقتصادية بأنها “سم” ما منحه دعم ناخبين فرنسيين أرادوا لبلدهم التخلي عن الاتحاد الأوروبي والناتو، وقطع العلاقات مع برلين، وفي ذات الوقت، تولد لدى عدد من المراقبين والمسؤولين الألمان نوع من الازدراء حيال فرنسا.
لكن يبدو أن الرئيس الفرنسي الجديد عازم على التغلب على تلك الانقسامات، وإحياء علاقة صحية جديدة مع ألمانيا خاصة، ومع الاتحاد الأوروبي عامة.