العلاقات المصرية ـ الإثيوبية، تطورات ملف حوض النيل، الوضع الداخلى فى إثيوبيا وتأثيراته على العلاقات مع القاهرة وعلى ملف المياه، رئاسة مصر الاتحاد الإفريقى،ما الذى تحقق، وما هو قادم، ولماذا يبدو عام الرئاسة المصرية مختلفا عن أى حقبة أخرى فى عمر هذا التكتل القارى العتيد؟
كل هذه الأسئلة طرحتها «الأهرام» على السفير أسامة عبد الخالق سفير مصر لدى إثيوبيا ومندوب مصر الدائم بالاتحاد الإفريقى، فجاء الحوار معه على النحو التالي:
فى البداية، كان السؤال: مضى أكثر من شهرين كاملين على تسلم مصر رسميا رئاسة الاتحاد الإفريقى، ماذا تحقق حتى الآن؟ وما هى أبرز المهام والأهداف التى ستسعى مصر إلى تحقيقها خلال الأشهر المتبقية؟
فى تقديرى أن خطة عمل الرئاسة المصرية للاتحاد تسير إلى الآن كما ينبغى ووفقاً للإطار الزمنى الموضوع لها، فبدأت بقمة إفريقية ناجحة، ترأسها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى يومى 10 و11 فبراير الماضى، وشهدت اختيار سيادته قائدا للقارة فى مجال إعادة الإعمار والتنمية بعد الصراعات. وبعد انتهاء القمة، بدأ العمل بشكل فورى على التعامل مع أولويات الرئاسة المصرية من خلال أنشطة وسياسات ومحافل مُتنوعة، فعلى سبيل المثال، استضافت مصر فى منتصف مارس مُنتدى الشباب العربى ـ الإفريقى بأسوان تحت رعاية رئيس الجمهورية، والذى اختتمه سيادته بحزمة من الاستخلاصات الطموح فيما يخص تمكين الشباب الإفريقى، بالإضافة إلى ذلك، نستعد الآن لاستضافة الدورة الوزارية للجنة الفنية المُتخصصة للبنية التحتية والطاقة باعتبار هذا المحور من ضمن الأولويات الرئيسية للرئاسة المصرية للاتحاد، وعلى صعيد الحكم الرشيد، عقد فى شرم الشيخ مؤخرا اجتماع مهم للجنة الشخصيات البارزة لآلية مراجعة النظراء الإفريقية، كما نضع اللمسات الأخيرة فيما يخص إطلاق مركز الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية فى إفريقيا، باعتباره احتياجاً ماساً للدول الإفريقية التى تمر بتحديات ما بعد الصراعات المُسلحة، فضلاً عن استضافة اجتماع للجنة المندوبين الدائمين للاتحاد الإفريقى بالقاهرة فى أبريل الحالى لبحث سبل تعزيز العلاقات وتحقيق التكامل بين الاتحاد الإفريقى والتجمعات الاقتصادية الإقليمية، وبالتوازى مع ذلك تزداد وتيرة التفاعلات الدبلوماسية الإفريقية بالقاهرة وتتوسع الدولة المصرية فى توطيد العلاقات مع قارتها من خلال سلسلة من الزيارات رفيعة المُستوى بدأت بزيارة الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب كلا من بوروندى وتنزانيا الأسبوع الماضي.
قبل بدء تولى مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى، عملت الآلة الإعلامية المعادية للدولة المصرية على التقليل من أهمية الرئاسة الدورية للاتحاد بشكل عام، وإظهارها على أنها مسألة روتينية، ما ردكم على ذلك عمليا؟ وهل بالفعل رئاسة مصر مختلفة عن أى دورات سابقة؟
لا نلتفت إلى النقد غير البناء أو المدفوع بأغراض سياسية، رئاسة الاتحاد الإفريقى استحقاق ومسئولية دورية تتناوب عليها الدول الأعضاء بالاتحاد، ولكننا نرى أن مربط الفرس هو توظيف فترة الرئاسة فى تقديم قيمة مُضافة لأهداف الاتحاد ونتائج ملموسة يمكن إدراكها بشكل واضح، ويحضرنى أن السيد رئيس الجمهورية ذكر خلال لقائه مع رئيس مُفوضية الاتحاد الإفريقى ومُفوضى الاتحاد وكبار مسئوليه أن أولويته الأولى كرئيس للاتحاد الإفريقى هى تقديم ما يُحسن حياة المُواطن الإفريقى فى كل مكان فى القارة، وعلى الرغم من التحديات التى تُواجه القارة، فإننا عازمون على مُواصلة العمل بإخلاص من أجل تقديم ما من شأنه إحداث تأثير إيجابى ملموس فى حياة أبناء القارة، فمصر دولة كبيرة وذات رصيد مهم إفريقياً ودولياً، ولديها من الثقة بالنفس ما يجعلها أكثر اهتماماً بالنتائج والمُحتوى من الفرقعات الإعلامية أو اللقطات التذكارية الفارغة من المضمون والتى تخدم أغراضاً سياسية آنية.
والمواطن المصرى البسيط يريد أن يعرف من سيادتكم، وبشكل مبسط، ما الذى عاد عليه حتى الآن من مكاسب جراء التقارب مع إفريقيا ورئاسة بلاده للاتحاد الإفريقى، خاصة ما يمكن أن ينعكس على حياته اليومية
استعادة مصر مكانتها الطبيعية فى إفريقيا هدف استراتيجى مهم له إيجابيات واسعة النطاق، بما فى ذلك على المُواطنين، فمكانة مصر إفريقياً تُعزز مُقومات الأمن القومى المصرى من خلال ترسيخ دوائر الصداقة القائمة على الثقة والمنفعة المُتبادلة وتُفسح المجال للمزيد من التعاون والتنسيق فى مُواجهة التحديات المُشتركة، بما فى ذلك فى مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المُنظمة، من ناحية أخرى، فإن الرئاسة المصرية للاتحاد تستهدف العمل من أجل تعميق التكامل الاقتصادى الإفريقى فى القارة، وهذا يشمل فتح الأسواق أمام حرية حركة السلع بين دول القارة التى يقطنها مليار و300 مليون شخص، وما يرتبط بذلك من فُرص اقتصادية عظيمة للدولة المصرية والقطاع الخاص فى مجالات التجارة والاستثمار وخلق فرص العمل، وعلى الصعيد الدولى، فإن الوضعية المُتميزة على الصعيدين العربى والإفريقى تُقوى من تأثير وجهة النظر المصرية إزاء مُختلف القضايا الدولية، علماً بأن مواقف الدولة المصرية فى المحافل الإقليمية والدولية تأتى انعكاساً لاحتياجات وتحديات المُواطن بالأساس.
بحكم خبراتكم وإلمامكم الكامل بملف مياه النيل والعلاقات المصرية ـ الإثيوبية، كيف ترون قضية سد النهضة الآن، وبخاصة فى ضوء تكرار رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد تعهداته بعدم الإضرار المائى بمصر، بل وقسمه الشهير فى القاهرة على ذلك؟
شعرنا بارتياح بتعهدات رئيس الوزراء الإثيوبى ونلمس وجود تطور إيجابى فى العلاقات بين البلدين بعد أن تولت الحكومة الجديدة السلطة فى أبريل الماضى، وأُقدر أن هذه الروح الجديدة التى يتبناها الدكتور آبى أحمد والعلاقة المتميزة التى تجمعه بالسيد رئيس الجمهورية تُوفر المُناخ السياسى المطلوب لتحقيق نتائج فنية مُرضية تُحقق مصالح الطرفين بعدالة وتحفظ لمصر أمنها المائى، ومن هذا المنطلق تستمر مصر فى حث الجانب الإثيوبى على الانخراط البناء فى المسارات الفنية المُختلفة التى تم إطلاقها بعد إعلان المبادئ عام 2015 والمسارات المُكملة الأخرى وترجمة التعهدات التى قطعها رئيس الوزراء خلال زيارة يوليو الماضى إلى نتائج ملموسة تستند إلى دراسات علمية وافية، وبطبيعة الحال، لن نتوقف عن التحرك بشكل نشط ومُؤثر من أجل التوصل لترتيبات تُتيح لإثيوبيا إدراك حقها فى التنمية من خلال بناء سد النهضة دون إلحاق الضرر بالدول الأخرى.
المعلومات متضاربة حول مشروع سد النهضة وما وصلت إليه الأعمال الإنشائية، فمسئول إثيوبى يقول إن 66% من أعمال السد اكتملت، ومعلومات أخرى تفيد بأن تأخير المشروع ألحق خسائر تصل إلى 800 مليون دولار، أين الحقيقة؟
أتفق معك بأن الإحصاءات والأرقام المُرتبطة بعملية بناء سد النهضة تتسم فى بعض الأحيان بالتضارب وعدم الدقة، لا سيما أن أحد الأطراف الرئيسية فى عملية التشييد، شركة «ميتيك» الإثيوبية للأعمال الإنشائية والكهربائية، توقفت عن المُشاركة بعد فضيحة فساد كُبرى جار التحقيق فيها حالياً وتشمل اتهامات بإهدار المال العام اتصالاً بسد النهضة، وهو أمر شديد الحساسية فى ضوء أن جانباً كبيراً من التمويل تم من خلال مُدخرات المُواطنين، أما فيما يخص الأرقام، فأستذكر أن مدير المشروع أعلن فى اجتماع منذ بضعة أيام ترأسه رئيس الوزراء الإثيوبى أن نسبة التنفيذ تبلغ حالياً 66٫2%، ولكن ينبغى التنويه إلى أن الأبعاد المُختلفة للمشروع كالبناء الخرسانى والأعمال الكهروميكانيكية…. إلخ ، تتفاوت فى نسب تنفيذها، وبطبيعة الحال لا تسير بالسرعة نفسها.
آبى أحمد قال فى تصريحات مؤخرا إن دول الشرق الأوسط كانت فيما مضى تؤيد موقف مصر حيال ملف المياه «على طول الخط»، ولكنها الآن تستمع إلينا بصورة أفضل، بل وتفيدنا؟ ماذا يقصد بذلك؟
رئيس الوزراء الإثيوبى يحرص منذ أن تولى السلطة على بناء علاقات تعاون مع دول الجوار، وكذلك مع مصر وبعض دول الخليج الصديقة لمصر، ويحاول أن يشرح للرأى العام بعد مرور عام على حكومته أن إثيوبيا استفادت من هذه التحركات الدبلوماسية وكيفية إسهامها بقيمة مُضافة للتنمية فى إثيوبيا، أما من ناحيتنا، فنحن لا نُمانع أن تستمع الدول لوجهات نظر بعضها البعض، فكل طرف من حقه أن يعرض نظرته للأمور وشواغله والحلول التى يطرحها، ولكن على صعيد المواقف وردود الأفعال، فالموقف المصرى فيما يخص قضايا الأمن المائى كان ولا يزال محل تفهم من جانب أصدقاء وشركاء مصر وفى مقدمة ذلك على الصعيد العربي.
كيف سارت زيارة رئيس وزراء إثيوبيا الأخيرة لقطر؟ وما هى نتائجها؟ خاصة أنها زيارته الأولى إلى هناك؟
لست فى موضع أن أعلق على تفاعلات دولة الاعتماد مع طرف ثالث، فكل دولة ذات سيادة لها مُطلق الحرية فى إدارة علاقاتها الدولية بالشكل الذى تراه مُناسباً، طالما تقوم بذلك دون الإضرار بمصالح وأمن الدول الأخرى وبشكل يحترم مبادئ القانون الدولى، ولكن ما أستطيع أن أقوله إن رئيس الوزراء الإثيوبى زار الدوحة قبل أيام من إتمام عام كامل فى السلطة، وبعد شهور من زيارة إلى القاهرة، وكذلك السعودية والإمارات وكينيا والصومال وإريتريا وأوغندا والسودان وجنوب السودان والولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والصين.
هناك رغبة قوية لدى الجانب الإثيوبى لتعزيز التبادل التجارى مع مصر فى الفترة المقبلة، خاصة فى مجال الزراعة والإنتاج الحيوانى والربط الكهربائي؟ هل لديكم معلومات عن تفاهمات جديدة فى هذا الصدد؟
نسعى بشكل يومى لطرق جميع الأبواب التى من شأنها تعزيز الترابط التجارى والاقتصادى بين البلدين، وخلال هذا الأسبوع فقط، عقدت مُباحثات مهمة مع وزير الدولة للشئون المالية، ورئيس الغُرفة التجارية، ورئيس هيئة المناطق الاقتصادية الحرة، ونسير بخطى واثقة نحو تحقيق المزيد من النتائج الطيبة على صعيد التعاون الطبى، وفى مجال الصناعات الدوائية، وتشجيع الاستثمارات المصرية للعمل فى إثيوبيا، والاستفادة من الفرص التى توفرها سوق بهذا الحجم، فضلاً عن تحسين مُعدلات التبادل التجاري.