بقلم / د. احمد الجيوشى
أعتقد أن كل من يعرفني و يتابع كتاباتي و آرائي و حتي أفكاري في المهمة التي شرفت بها منذ سنوات لادارة منظومة التعليم الفني و المهني في وزارة التربية و التعليم، اعتقد انه متأكد من دعمي الكامل للانتقال بفلسفة التعليم الفني و المهني من كونه تعليم مبني علي العرض بالاساس Supply-Driven و يقدم جله في مدارس التعليم الفني التقليدي بعيدا عن الربط المباشر مع مؤسسات الاعمال، الانتقال بتلك الفلسفة الي فكرة التعلم و التدريب الفني و المهني في بيئة العمل ذاتها Work-Based-Learning و هو يتطلب أن يكون تعليما و تدريبا فنيا و مهنيا مبنيا علي الطلب Demand-Driven، و ان يكون ذلك في معظمه بعيدا عن المدارس الفنية بالوزارة التي لم تعد قادرة علي الوفاء بالتزاماتها لاسباب عديدة ليس هذا مجالها، لكن اهمها هو النقص و العجز الشديد في الامكانيات التدريبية و المدربين و المعلمين المؤهلين، فضلا عن عزوف الطلاب عن المدارس اما للاسباب السابقة و اما لعمل معظمهم اثناء الدراسة لمعاونة اسرهم.
و مع ذلك و مع ايماني الشديد بحتمية هذا التوجه، الا انني و من واقع خبراتي و متابعتي لهذه المنظومات محليا و دوليا أحب ان اشير الي بعض النقاط الضعيفة و المناطق الرمادية لدينا هنا في مصر في هذا الانتقال المنشود و أهمها:
١. التعليم الفني و المهني في بيئة العمل لا يعني ابدا ان أقذف بالطالب الذي هو مازال طفلا الي اتون العمل و خطوط الانتاج او حتي اعمال النظافة في المصانع، لان هذا مخالف مخالفة صريحة لقانون الطفل.
٢. التعليم الفني و المهني في بيئة العمل يعني بكل وضوح أن الطالب هنا هو “متدرب” في مهمة تدريبية و تعليمية و ليس عامل، و لم يمتلك بعد مهارات العمل و محاذيره.
٣. الطالب في نظام التدريب و التعليم في بيئة العمل لا بد أن يتم تدريبه اولا و لمدد طويلة نسبيا من خلال مراكز تدريب مهني في بيئة العمل ذاتها و ليس في خطوط الانتاج الي ان يكتسب المهارات الاساسية( و هذا ما تفعله المانيا).
٤. لا بد لمؤسسات العمل ذاتها أن تكون مقتنعة بان طالب التعليم الفني و المهني لديها هو طالب متدرب و تحت التعليم لكي تعد له الكوادر التدريبية المؤهلة لهذه المهمة، لا ان تقذف بالكوادر المهنية في اتون مهمة التعليم و التدريب دون تأهيل مناسب.
٥. علي وزارة التربية و التعليم و جهات التعليم الفني و المهني أن يدركوا ان مهمة المدرس و المعلم عندما يذهب للتدريس او تدريب الطلاب في بيئة العمل انه في مهمة تختلف عن مهمته في المدرسة الفنية، و انه لا بد ان يكتسب المهارات الفنية المهنية بكفاءة قبل ان يعلمها للطالب او يدربه عليها.
٦. علي جميع الاطراف بما فيهم الدولة أن يدركوا ان طبيعة المهمة مختلفة تماما بين تعليم فني في المدارس و تعليم فني في المصانع من حيث الادوات و الاليات و طرق التدريس و التقويم و المعلمين و ادارة الجودة و أساليب التحفيز لكل أطراف المعادلة.
٧. علي جميع الاطراف المعنية ان يدركوا ان المسئولية مشتركة و يتحملها الجميع بالتساوي عن تأهيل القوي العاملة و اعدادها لمواجهة تحديات مستقبل فرص العمل و متطلباتها التي اصبحت معقدة للغاية، و علي الجميع ان يستثمر في هذا المجال ليضمن استقرار عمالته و معدلات نمو مؤسسته.
كل الامنيات الطيبة لمصر أن يهبها المولي عز وجل زمرة من الفاهمين الواعين لمتطلبات الحاضر و المستقبل في مجال اعداد العمالة المهنية و التخصصية المدربة و المؤهلة لسوق العمل بعيدا عن الفهلوة و ادعياء المعرفة، و ان يستعينوا باهل الخبرة من المعلمين و الادارة العليا من داخل المؤسسة التعليمية ذاتها وزمن الصناعة و هم كثر.