من الموضوعات الهامة والجديرة بالنقاش لتحقيق المساهمة في تغير الثقافة التقليدية التي تظهر آثارها بشكل سلبي في كل نواحي الحياة، والتي سيطرت على تفكير المصريين، من جميع طبقات المجتمع، كليات القمة وكليات القاع!
شيء مفزع حقاً أن نرى من يتشدق بمثل هذه المفهومات المغلوطة، وكأن مجالات الدراسة تنحصر في إطار معين، وأن ما عداها لا يمثل أهمية ولا يظهر له أي معالم مستقبلية.
فنرى المجتمع يطلق على كليات (الطب، الصيدلة، الهندسة) كليات القمة ؟! وغيرها من (الحقوق والتجارة والآداب) كليات القاع! لماذا يسعي الكل لتلك الكليات ويعتقدون أن بقية الكليات جهنم وبئس المصير؟
في موقف جمعني بأبي في مرحلة الثانوية وكان النقاش في نفس ذات القضية عن المستقبل وعن دخول كليات القمة، والغريب في الامر انتهي الحوار أنى لو لم ادخل إحدى تلك الكليات فانة ليس لتعليمي نفع!
رأيت كمّ العبث الفكري الذي يسيطر على فئة ليست بالقليلة من المصريين، لقد صدأت العقول من التراكمات التي تعرضت لها من خبرات حياتية تشوبها النظرة المستقبلية الظاهرة للحكم على الأشياء، وحدث ولا حرج عن المواقف التي تحدث مع الطلاب اثناء فترة التنسيق، فنجد تزاحم شديد من الطلاب ناحية تلك الكليات دون غيرها، للدرجة التي يُرغم الاهل فيها أبنائهم لدخولها وان لم يدخلها فليس له وجود، وانه يسقط من نظرهم وربما لا يكمل تعليمية بحجة انه سيكون عديم الفائدة.
انه أب مسكين تربى على مفهوم خاطئ انتشر حوله دون أن يدري أو يفرق بين الصواب والخطأ، وبمثل هذه الطرق تقتل المواهب والتطلعات لدى معظم الطلاب الذين هم النواة الحقيقة للتقدم بالمجتمع، والنتيجة ترونها كل يوم أمام اعينكم من خريجين كليات القمة ؟! فترى المهندس الذي يتسبب في قتل الالاف من الأبرياء لانه أخطأ في وضع أساس دقيق للمبني ونرى المريض الذي يموت علي أيدي الطبيب الفاشل غير راغب في المهنة والذي يمارسها على أنها لقمة عيش، مثل هذه النوعيات التي ظلمت من البداية في اختيار تعليمها ورغابتها دائما ما تنتهي بالفشل.
فمفهوم كليات القمة لا يعتمد على قدرات الشخص في تحديد مجال عمله، والدليل على ذلك اغلب المشاهير والبارزين أبدعوا في غير مجالاتهم او كلياتهم، فهذه المفاهيم العقيمة أدت الى حدوث كوارث فكرية للمجتمع، فنجد التزاحم والتعالي لدخول هذه الكليات ظاهر بشكل ملفت للنظر، ولم يكن نظرهم ليري الحقيقة المؤلمة ان الكل يتساوى بعد التخرج.
ومن الجدير بالذكر ان المشاهير الذين حصلوا علي أبرز الجوائز العلمية العالمية المرموقة هم خريجي كليات ليست القمة ؟! ففي مصر حصل أحمد زويل على جائزة نوبل في الكيمياء خريج كلية العلوم، وحصل نجيب محفوظ على نوبل في الادب خريج كلية الآداب، بينما البرادعي حصل على الجائزة في مجال السلام وهو خريج كلية الحقوق.
وانه ليس من المنطقي ان يكون الطبيب والمهندس والصيدلي، أكثر أهمية وأعلا شانا من المحاسب والمهندس الزراعي والاخصائي الاجتماعي، وغيرهم من المهن المختلفة التي لها دور عظيم في المؤسسات والقطاعات الخدمية المختلفة.
ووجب التنويه انه يجب اعتبار ثلاث كليات هم كليات القمة أولها كلية الزراعة حيث دائما يشار الى مصر بانها بلد زراعية ولكن نجد اهمال شديد جدا في كليات الزراعة او الاقبال عليها وجودة الخريج لا تترقي بانها تصنع تقدم يذكر، وكلية التجارة لأنها كلية تبني الاقتصاد الذي يتحكم في التقدم ويساعد في تحويل المنتجات الزراعية الي تجارة عالمية بأحدث الطرق في التسويق وغيرها، وكليات الآداب لأنها تضم جميع الأقسام المختلفة التي تساعد بشكل كبير على الارتقاء بالثقافة ونشر الوعي بالمسائل المتعلقة بالوجود.
وفي النهاية نحن لا نقلل ابدا من أي كلية لان جميع العلوم متساوية في الأهمية، ولكن لفتنا النظر ان التغيير المنشود والتقدم في العلوم لا يتحقق الا من خلال تغيير ودحض هذه الثقافة المتوغلة في كل أطراف الحياة، حتى لا تكون الرؤية المستقبلية ضبابية، نحن نريد شباب واعي مثقف وفاعل في مجال تخصصه الذي اختاره بعناية حتى ننتظر منه الابداع والابتكار للعمل على تقدم ونهضة مصرنا في الفترة الحالية.
لهذا إن أحببت كلية دون غيرها فتمسك بحلمك وطموحك ولا تختر سواها، لأنك ببساطة لا ولن تنجح الا في سواها حتى ولو اجبرك المحيط على كلية معينة فلتقف صلبا وتدافع عن قدراتك فلن ينفعك سوء قدراتك ولن يفيدك المجتمع القاصر بشي، اكسر كل القيود والأعراف ودافع عن نفسك، واختار ما يناسب مؤهلاتك وأبدع وساهم بشكل مختلف بمجالك وابداعك، فنحن بحاجة الى امثالك في الأيام المقبلة، حاول تحقق نجاح في أي مجال تحبه وترغبه.