ويرى مدير المركز القومي للترجمة، أن الفلاسفة العرب طرحوا قضايا مبتكرة حول الفلاسفة الأغريق، وأصبحوا بذلك جزء مهم من التراث الفلسفي العالمي، ومن الصعب تصور سارتر أو هيجل مثلا، دون أن نتصور الفلاسفة العرب، في مستوي أقل من المكانة المميزة، التي حفظوها لأنفسهم في التاريخ.
ويسعى مؤلف الكتاب “علي بن مخلوف” أستاذ الفلسفة بجامعة باريس-إيست كريتاي، وبالجامعة الحرة ببروكسل، في كتابه الصادر عن دار ألبان ميشيل للنشر، 2016م، إلى إعادة إدراج الفلسفة العربية في تراث الفلسفة العالمي.
فيما قال الفيلسوف علي بن مخلوف، في حديثه، إننا بحاجة إلى إعادة النظر في رأينا في فلسفة ومعرفة العصور الوسطى باعتبار أنها جزء لا يتجزأ من تاريخ الحقيقة، إذ أننا نحكم على هذه الفترة على أنها فلسفة مليئة بالميتافيزيقا والتأمل في حين إنها كانت تتضمن جوانب عملية في أساليب البرهنة والإثبات، كما جاء في علم المنطق، وأيضًا جوانب عملية في مجال الطب.
ورأى الفيلسوف المغربي، أن فلسفة العصور الوسطى، لم تخلو من الابتكار، فقد حاولت أن تجمع بين ما هو حقيقي وبين ما هو برهاني، باعتبار أن كل حقيقة خاضعة للبرهان، والهدف الذي كان يسعى إليه فلاسفة العصور الوسطى هو إفساح المجال للحقيقة العلمية، وعدم اقتصارها على الحقيقة الدينية فحسب.
وأعتبر “علي بن مخلوف” أن الفلاسفة العرب أرادوا أن يميزوا بين الأسلوب والحقيقة، وأثبتوا أن تنوع الأساليب لا يؤثر سلبًا على وحدة الحقيقة، فالحقيقة بالفعل واضحة، ولكن يوجد سُبل متنوعة في الوصول إليها، وفسر الآية الكريمة التي وردت في سورة البقرة، الآية 151؛ “وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ” علمناكم الكتاب والحكمة”، إذ أنه الكتاب هو الوحي، أما المقصود بالحكمة شئ مختلف عن القرآن، ففي نظر الإمام الشافعي أن الحكمة هي السنة، وابن رشد رأى أن الحكمة هي البرهان، أي الوصول إلى الحقيقة عن طريق العقل.
وحول مفهوم الشريعة، قال إنه “بالعودة إلى أصول الفقه وهو ما يعني عودتي إلى فكرة الشريعة والحكمة، فإننا نشهد اليوم تضخيمًا حول مفهوم الشريعة سواء هنا أو في الغرب، وأود أن أذكر بتاريخية مفهوم الشريعة، فهو مفهوم متطور طبقا للتاريخ والدليل على ذلك وجود أربع مدارس فقهية، فإن الشريعة تعني الطريق ولا تعني القانون، لذا فهي ليست قانون ثابت لا يتزحزح”.
وأضاف “تتغير الفتوى بتغير الأزمان، ولكن للأسف نحن اليوم لا زالنا نتمسك بأن الشريعة قانون جامد لا يتغير”، موضحًا أنه بالنظر إلى مفكرين كبيرين في عصرين مختلفين نجد الشيخ علي عبدالرازق والفيلسوف ابن خلدون، قد أثبتا أنها قابلة دائما للتكيف”.
وأكد أن النص الديني ليس له معنى مُركّز أو مغلق، ولا يحبس في معنى كامن إلى الأبد لأن النص لغة والوصول إلى معناه يعتمد على الفهم، والفهم له الأولوية على الدلالة بمعنى فيما يتعلق بالمستوى اللغوي، وعلى سبيل المثال؛ أيام قريش كنا نفهم بعض الكلمات بمعنى معين، لكن الآن نجد أن لغة العرب وفهمها للنص، لها معنى آخر غير لغة القريشيين، ومن هنا فإن تطور اللغة وتطور الظروف يثبت أن لا معنى واحد للنص لا يتغير”.
وأكد على أهمية دور الفلاسفة العرب، مشيرًا إلى أنهم كانوا أطباء، ومارسوا الفلسفة في آن واحد، أي اهتموا بالمنطق والصحة، فبالنسبة للمنطق فهو يعني العلم الذي يسمح بدراسة توجهات العقل، ويحدد الفرق بين التصور والتعريف والبرهان باعتبارها عمليات معقدة لكنها مختلفة عن بعضها البعض، لذا فإن المنطق لدى الفلاسفة العرب متسع أكثر مما كان عند اليونان.
وأكد على أهمية دور الفلاسفة العرب، مشيرًا إلى أنهم كانوا أطباء، ومارسوا الفلسفة في آن واحد، أي اهتموا بالمنطق والصحة، فبالنسبة للمنطق فهو يعني العلم الذي يسمح بدراسة توجهات العقل، ويحدد الفرق بين التصور والتعريف والبرهان باعتبارها عمليات معقدة لكنها مختلفة عن بعضها البعض، لذا فإن المنطق لدى الفلاسفة العرب متسع أكثر مما كان عند اليونان.
علي بن مخلوف أستاذ للفلسفة العربية وفلسفة المنطق في جامعة باريس، مؤسسة كريتال فال دومارن ومعهد العلوم السياسية في باريس، وقام بتأليف العديد من الكتب عن ابن رشد، ومونتين، والفارابي، ويشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات داخل المغرب وخارجه.
وبن مخلوف هو رئيس اللجنة الاستشارية الفرنسية حول السلوك المهني وأخلاقيات معهد البحوث من أجل التنمية ونائب رئيس لجنة الأخلاقيات الاستشارية الوطنية، كما كان مديرا لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة.