بعد تخطى العتبة الاولى للنص وهو الاسم المثير للتساؤل (الكيس الأسود ) يجد القارىء نفسه في لهفة لمعرفة ما الذي يقصده الكاتب حسام أبو العلا في اختياره لعنوان هذه المجموعة القصصية ، فاللون الأسود هو معادل موضوعي للحزن والفقد وايضا يدفعنا للريبة فيما يمكن ان يكون بمحتواه ، ربما هو سر أو شيء غامض – التشيؤ هنا اضاف بعدا جديدا – لنجد ان هذا الكيس رغم لونه الداكن يحمل خير ونور ، وتطالعنا القصص التالية بعناوين تمتح من نبع واحد وهو الانسانية بمختلف صورها ورغم تنوعها الا انه غلب عليها تيمة الفقد والوجع ربما هي للاسف الجانب الواقعي للحياة ، كل قصة هي لقطة من واقعنا خلف تلك الابواب المغلقة ، لم تقف عدسة الزووم على رصد اللقطة من وجهة نظر الرجل بل تناولها باستخدام ضمير المتكلم الانثوي وهذا اضاف بعدا جماليا للعمل يحسب للكاتب ، اللغة تعتبر بطل العمل فهي اداة الكاتب لنحت تلك المعان الإنسانية التي تجعلنا نتفاعل مع شخوصها والتي تذكرنا ان جميع مشاكلنا هي لافتقاد الرحمة والمودة وهي ابسط آلية ترتجى في عالم يمزقه الصراع و الأنانية. تتطرق الكاتب ايضا لتابو الدين وتناول قضية الاختلاف في العقيدة بصدق وكانت تلك القصة احدى قصص المجموعة المميزة ( شقيقي القبطي ) فهو شقيق الجوار والروح ووحدة معنى الانسانية .. اشكالية العلاقة بين المرأة والرجل تتخذ نصيبا وفرا من القصص فهما دعمتي الحياة ومحور الأحداث .. مفردات المجموعة راقية ، مشاعر مختلطة يتقاسمها كل الشخوص فهي سنة الحياة ان نشعر بهذا المزيج فالأيام دوال واقدارنا مخبوءة ، ايقونة مشاعر بين دفتي هذا الكتاب ، وتنوعت لغة الحوار بين الفصحى و العامية ، اعتمد ايضا على بلاغة البوح في اغلب القصص . توظيف جيد للنوستالجيا ، فكل منا يدخر في ذاكرته هذا الحنين لمشاعر انتهى وقتها ورغم ذلك هي نحت في روحه كلما ضاق عليه خناق الواقع استلهم بعضها وشد الرحال إليها ، هو الحنين للأم أو الأب على حد سواء ، اطلال لحب مضى وباق في باطن هذا العقل المكدس بواقع مفروض عليه ، الكاتب نجح ببراعة في تجسيد كل تلك المشاعر ومنحها حياة شخوصه ، لنرى وجعها وملامحها الغاضبة و ابتسامتها و نشعر بسيل دموعها ، الإبداع هو ان تمتع القارىء بحكي يبوح به شخوص العمل ، ان يشعر بها تتنفس على الاوراق يشاطرها الانفعال والمشاعر ، ليس هذا فقط بل نفهم ما هي رسالة الكاتب ومغزى العمل وفلسفته ورؤيته للحياة و قد تجلى ذلك بوضوح في هذا العمل ، عمق المغزى ، شعرية السرد وجمال الجمل الحوارية اسهم أيضا في وصول الكاتب لتلك الغاية ببساطة بلا تقعر أو تسطح ، باستخدام مجاز قريب من تلقي القارىء ويحمل مضمون الحكي بصدق ، المفارقة مائزة وتضع المتلقي امام المعنى الضمني المقصود من النص . في النهاية استمتعت بعمل جيد يشير لقاص بارع يجيد استخدام ادواته ويحمل رسالة سامية قلما تشغل البعض ،على مدار خمسة عشر قصة ، ما أشد احتياجنا لتلك القيم والفضائل التي تغسل الارواح المجهدة من صراع المادة وتجميد المشاعر في رحي العولمة ونضوب التواصل في مسافة لا تفصل بيننا الا بقدر ما نسمح لها بذلك