تحدث لأول مرة، والدة بن لادن الذي قتلته القوات الأمريكية في باكستان في مايو 2011، مع صحيفة “الجارديان” البريطانية، بعد موافقة السلطات السعودية.
وأفادت “الجارديان” إن العائلة رفضت لسنوات طويلة الحديث عن أسامة، خاصة وأنهم غير واثقين مما سيحدث بعد فتح خزانة الذكريات والخوض في تفاصيل الماضي.
وبعد عدة أيام من النقاش الطويل، وافقت العائلة على الحديث مع الصحيفة البريطانية التي التقت بهم في يونيو الماضي في إحدى المراكز الحكومية السعودية، وبرفقتهم مترجم. كانت الأنظار خلال المقابلة تتركز على علياء غانم، والدة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. بالقرب منها كان ابناها، أحمد وحسن، يجلسان إلى جانب زوجها الثاني محمد العطاس، الرجل الذي ربى الأبناء الثلاثة، بحسب الجارديان.
وقالت الصحيفة إن كل فرد من أفراد العائلة لديه قصة عن أسامة بن لادن، الرجل الذي كانت له علاقة وثيقة بالتطرف والإرهاب العالمي. إلا أن غانم، صاحبة الكلمة الرئيسية الآن، كانت تتحدث عن الرجل الذي ما يزال بالنسبة لها ابنها الحبيب، والذي ضل طريقه.
قالت السيدة التي بلغت منتصف السبعينات من عمرها، إن حياتها كانت صعبة لأنه كان بعيدًا جدًا عنها. وأضافت “كان ابنًا رائعًا وأحبني كثيرًا، رباه العطاس منذ أن كان في الثالثة من عمره”، مُشيرة إلى أن زوجها رجل جيد وأحب أسامة كثيرًا. ذكرت الجارديان أن الأسرة تعيش الآن في قصر فخيم في مدينة جدّة السعودية، المدينة التي كانت موطنًا لعائلة بن لادن على مدى أجيال، مُشيرة إلى أن العائلة ما تزال واحدة من أثرى العائلات في المملكة.
تذكر غانم أن ابنها الأكبر كان طفلاً خجولاً متفوقًا في دراسته، أصبحت شخصيته قوية ومندفعة في العشرينيات تقريبا، بينما كان يدرس في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة.
وتلقي الأم باللائمة على زملائه في الجامعة. وتقول: “أصبح رجلاً مُختلفًا”. ومن بين أصدقاء أسامة في هذه الفترة، حسب الأم، عبدالله عزام أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والذي نُفته السلطات السعودية وبات أحد مستشاري زعيم تنظيم القاعدة. قالت الأم “التقى مع بعض الأشخاص الذي قاموا بغسل دماغه تقريبًا وهو في العشرين من عمره، وأخذوا مبالغ كبيرة منه لتحقيق أهدافهم”.
أكدت أنها طالبت نجلها أسامة بالابتعاد عن هؤلاء الأشخاص، ولكنه في المقابل لم يُخبرها أبدًا عما كان يفعله، وتُبرر ذلك بحبه الشديد لها. في مطلع الثمانينات، سافر أسامة إلى أفغانستان للقتال ضد الغزو الروسي. قال حسن، شقيق زعيم القاعدة السابق، إن كل من كان يقابله في هذه الفترة كان يحترمه. أوضح حسن أن العائلة كانت فخورة جدًا به في البداية، وحتى الحكومة السعودية كانت تعامله بطريقة نبيلة ومحترمة، وبعدها أصبح “أسامة المجاهد”. قال حسن “أنا فخور به لأنه أخي الأكبر الذي علمني كل شيء، فقد علمني الكثير، ولكني لا اعتقد بأنني فخور بالرجل الذي أصبح عليه”.
تحدثت الأم عن ابنها أسامة الذي كان صبيا مهذبا متفوقا في دراسته التي أحبها جدا، بحسب الجارديان. وقالت إنه أنفق الكثير من أمواله في أفغانستان، حيث كان يذهب إلى هناك مُتخفيًا للقيام بأعمال تجارية خاصة بالعائلة.
أكدت عاليا الغانم أنها لم تشك ولو لحظة واحدة أنه ربما يُصبح جهاديا، وقالت إنها غضبت وانزعجت بشدة عندما أدركت الأمر. قالت “لم أرغب في أن يحدث كل ذلك. تساءلت كثيرًا عن الأسباب التي تدفعه إلى التخلي عن كل شيء بهذه الطريقة”.
رأت العائلة ابنها أسامة اخر مرة سنة 1999 في أفغانستان، حيث زارته في ذلك العام مرتين في معسكره خارج مدينة قندهار، بحسب الصحيفة. تتذكر الأم أن المكان الذي رأت فيه ابنها أسامة كان قريبا من مطار تمكن أسامة من الاستيلاء عليه من أيدي القوات الروسية. قالت: “كان مسرورًا جدًا لرؤيتنا، وكان يُرينا المكان، اصطاد أحد الحيوانات وذبحه وأقام وليمة كبيرة ودعا الجميع”.
مع مرور الوقت، شعرت غانم بالاسترخاء وبدأت تتحدث عن طفولتها في مدينة اللاذقية السورية، حيث كبرت وسط عائلة من العلويين. انتقلت غانم إلى السعودية في منتصف الخمسينيات. ولد أسامة في الرياض عام 1957، ثم انفصل عنها والده بعد 3 سنوات. بعدها تزوجت من العطاس، والذي كان مسؤولا عن امبراطورية بن لادن الضخمة في مطلع الستينيات. تزوج والد أسامة 11 مرة على الأقل وأنجب 54 طفلاً. وعندما غادرت غانم الغرفة للحصول على قسط من الراحة في غرفة قريبة، استكمل أخو أسامة غير الشقيق الحديث، وقال: “إنه من المهم أن نتذكر أن الأم نادرًا ما تكون شاهدًا موضوعيًا عندما يتعلق الأمر بولدها”.
قال: “لقدر مرّت حوالي 17 عامًا على أحداث 11 سبتمبر، إلا أنها ما تزال تنكر أن أسامة له علاقة بها، لقد أحبته كثيرًا وترفض إلقاء اللوم عليه”. يقول الأخ غير الشقيق إن غانم تُلقي اللوم على من كانوا حول أسامة، خاصة وأنها لا تعرف إلا الجانب الجيد فقط من ابنها الحبيب، الجانب الذي رأوه جميعًا، ولم تتعرف أبدًا على أسامة الجهادي. وبعد وقوع أحداث 11 سبتمبر، قال حسن إن شعوره كان غريبًا.
وأضاف: “علمنا منذ البداية إن أسامة له يد في الأمر، وخلال أول 48 ساعة، كلنا – من أصغرنا إلى أكبرنا- شعرنا بالخجل من فعلته، كنا نعلم أننا سنواجه مشاكل كبيرة”. أوضح حسن أن العائلة بأكملها عادت إلى السعودية. “لقد كنا مشتتين في سوريا ولبنان ومصر وأوروبا، وفي السعودية صدر قرارًا بحظر السفر، بذلوا جهودًا قدر استطاعتهم للسيطرة على العائلة”. أشار حسن إلى أن العائلة بالكامل خضعت لاستجوابات.
بعد مرور عقدين من الزمان تستطيع العائلة من التحرك بحرية نسبية في داخل وخارج المملكة. انضمت أم بن لادن إلى الحديث مُجددًا، وقالت إنها تتحدث إلى زوجاته أغلب الأوقات، مُشيرة إلى أنهن يعشن بالقرب منها. وعن حمزة، ابن أسامة الأصغر البالغ من العمر 29 عامًا، والذي صنفته الولايات المتحدة إرهابيًا عالميًا، ومن المرجح إنه في أفغانستان، قال عمه حسن : “اعتقدنا أن الجميع تجاوز هذه التراهات، ولكننا اكتشفنا أن حمزة يقول إنه سيسير على خطى والده”. “إذا رأيته العام سأقول له هداك الله، فكر جيدًا قبل أن تفعل كما فعل والدك”.