كتب وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، مقالاً هاماً على موقعه وصفحته تحت عنوان: “القيام المنهي عنه”، قال فيه: عن معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما) قال: سمعتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) يقول :“مَنْ أحَبأن يَمْثُلَ له الرِّجَالُ قِيامًا ، فَلْيَتَبوَّأ مقعدَه من النَّارِ” (أخرجه أبو داود) .
وعنه (رضي الله عنه): قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ عِبَادُ اللَّهِ قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْبَيْتًا مِنَ النَّارِ). (البخاري الأدب المفرد) .
وعن أبي أُمامةَ (رضي الله عنه) قال : خَرَجَ علينا رسولُالله (صلى الله عليه وسلم) متوكئاً على عَصاً،فَقُمْنَا إليه،فقال: “لا تَقُومُوا كما تَقُومُ الأعَاجمُ، يُعَظمُ بعضُها بعضًا“.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري (رضي الله عنه) : أَنَّ أَهْلَ قُرَيْظَةَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ بن معاذ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ) إِلَيْهِ فَجَاءَ، فَقَالَ : ” قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ قَالَ: خَيْرِكُمْ” .
وعَنِ الشَّعْبِيِّ (رحمه الله) أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانُوا , إِذَا الْتَقَوْا , تَصَافَحُوا , وَإِذَاقَدِمُوا مِنْسَفَرٍ , تَعَانَقُوا .
والذي نفهمه من هذه الأحاديث أن النهي عن القيام ليس مطلقًا , وإنما هو مقيد بالقيام تعظيمًا كما كانت تفعل الأعاجم , فالمنع حيث ورد يُحمل على القيام تعظيمًا , وهو ما صرحت به رواية “لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا” , وقد ترجم له الإمام البخاري (رحمه الله)في كتابه الأدب المفردبقوله : “باب قيام الرجل للرجلتعظيمًا” ، ومعروف أن تراجم البخاري فقه , وهو ما ترجم له أبو داود أيضًافي سننه بقوله: باب الرجل يقوم الرجل يعظّمه بذلك.
ومما يؤكد أن القيام المنهي عنه هو قيام التعظيم وليس مطلق القيام قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : “ قوموا إلى سيدكم” ، يعني سيدنا سعد بن معاذ (رضي الله عنه), فلو كان القيام منهيًّا عنهعلى إطلاقه لما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : “ قوموا إلى سيدكم” , ثم إن التعبير بقوله (صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) “من أحب أن يمثل له الناس” وقوله (عليه الصلاة والسلام) “ومن سره أن يمثل له الناس“ يشير إلى من كان يرى في نفسه من العظمة ما يستوجب قيام الناس له تعظيمًا وإجلاًلا , لكن إن جاء قيام الناس له حبًّا وتقديرًا يقابله تواضع وخشوع وانكسار لله (عز وجل) فلا حرج فيه.
فالقيام المنهي عنه هو القيام تعظيماً كتعظيم الأعاجم لملوكهم من الأكاسرة والقياصرة الذي كان يأخذ صورة من صور الخضوع والانحناء بما يشبه الطقوس الإجبارية , أما القيام لأجل الاحترام المتبادل أو تقدير الكبير وتوقيره فلا يشمله النهي.