صدرت الطبعة الثانية من المجموعة القصصية ” الكيس الأسود” للكاتب : حسام أبو العلا عن دار النخبة للطباعة والنشر، وهي المجموعة الثانية، بعد مجموعته الأولى “قلب مهزوم”، التي صدرت العام الماضي، وحظيت بصدى كبير من قبل النقاد والقراء والكيس الأسود تضم خمس عشرة قصة “الكيس الأسود ، جحود ،الكهلة ، دنيا ، رحلة العمر، شقيقي القبطي ، سحر العيون ، الابتسامة المفقودة ، الفراق ، عودة مخيبة ، اغتصاب ، ليلة العيد ، الغفران ، ولي العهد ، شروق ” دارت أحداثها حول عدة عوالم مختلفة ما بين الوفاء والخيانة الجحود والعرفان بالجميل العطاء والنكران السعادة والحزن.
جاء الإهداء حميميًا بكلماته التي كتبها القلب المُحب لذلك الأب الذي زرع كل الأخلاقيات النبيلة من وفاء وعطاء ونبل فحصد على لسان ابنه كل المشاعر والأحاسيس الجياشة ومع ذلك كانت الكلمات عاجزة على أن تفيه حقه “سامحني..لم تطاوعني الكلمات أن توفيك حقك..يا نبع الحب والعطاء”
ثم تجيء النصوص التي كُتبت من أعماق الواقع فعبرت بصدق عن البسطاء والمهمشين عندما جال الكاتب بكاميرته الفتوغرافية وراح يلتقط لنا أحداث قصصه وهو يُسلط الضوء عليها لتعري أمام أعين الجميع سلبيات الواقع.
بدأ الكاتب نصوصه بالنص الذي اختاره عنوانًا للمجموعة القصصية “الكيس الأسود” فكان كيسًا يحمل الخير والحب والوفاء والنبل فتلتقط عدسته مشهدًا نراه يوميًا في أسواقنا امرأة تجلس وتبيع الخضار ولكن الغريب هذه العلاقة التي نشأت بين أم محمود وأم على التي يبتاعوا منها الخضار فتكون ونيسًا للأم فتجالسها وتفرح معها وتظل الأم تعطيها ذلك الكيس الذي حاول الابن مرارًا أن يكشف سره ولكنه لم يعرف ما بداخله إلا لحظة احتضار الأم حتى يظل العطاء مستمرًا ونفذ الابن الوصية ورغبة أمه حتى تقابل مع علي الذي فتح تجارة وأسماها تجارة الوفاء لأم محمود وأم علي في مشهد متناغم مع الأحداث.
والمعروف في الوجدان الشعبي أن الكيس الأسود دائما نضع به ما نريد إخفائه الأم اختارته للستر والتكتم وأن تنال أجرها من الله دون رياء أو تفاخر فليس هناك ما يدعوا للفزع من اللون الأسود المحفور في النفس البشرية كتميمة للخوف والرعب انقباض القلب.
ومن أم محمود لأم يوسف تلك المرأة العجوز التي كانت تجلس على عتبة بيتها وتعرفت عليها بطلة قصة جحود التي مات عنها زوجها وشقيقتها وتركها ابنها الوحيد وسافر كانت تتعمد أن تمر من نفس الشارع حتى ترى المرأة البائسة وتتعرف على ظروفها حتى حدث ما تمنته ونشأت بينهما علاقة واستمرت حتى ماتت تلك العجوز قبل أن تبدأ في بيع وتجميع مبلغ العملية التي كانت تستعد لإجرائها فيعود النور للعينين المتعبتين ماتت أم يوسف القانعة وبقي جحود بناتها وتركت دروسًا عديدة للعبرة وضعت الأموال التي جهزتها لمساعدتها في جمعية خيرية امتدادًا للخير وهنا انتصار أخر للعطاء وللأخلاق.
ومن بائعة الخضار للمرأة البائسة المسنة للجدة وعلى لسان الابن الذي مر بصدمة نفسية عندما ماتت أمه بسكة قلبية فتلعثم لسانه وظل مدرس اللغة العربية في مدرسته يسخر منه ويتهكم عليه فطلب من أبيه أن يحوله إلى نظام الدمج وهو للطلاب أصحاب الفهم البطيء وأمام حنان الأم لابنها الوحيد الذي جاء بعد سنوات من الانتظار والكلام على لسان الابن الذي يقول “على عكس الأب فقد كان جافا لا أتذكر أنه احتضنني أو قبلني ذات مرة وبعد وفاة أمي تزوج من امرأة جديدة طلبت منه أن يرسلني لعيش في كنف جدتي التي استقبلتني واحتوتني رغم كبر سنها وذات يوم باحت له بالسر الذي ظل يؤرقه كثيرًا لماذا يعاملها أبيه بجفاء فقالت له بأنها ليست أمه وهنا فهم لما يعامله بنفس الطريقة وهنا لب النص عندما تزرع الحنان والحب والخير لا بد أن تحصد من نفس صنيعك.
وتتوالى النصوص التي جسد فيها الكاتب بعين خبيرة تحسن زاوية الالتقاط ولغة سلسة ابتدعها الكاتب فكانت وسطية ما بين لغة الصحافة التي ترصد وتشرح وتفصل الحدث ولغة الإبداع التي تعري وتداوي بالبوح دون التصريح مع الاحتفاظ بجماليات السرد عبر حبكة وزمن ثابت.
لقد امتلك الكاتب لغة السهل الممتنع فاستطاع أن ينشأ بها جسرا للتواصل مع الجميع من أطياف الشعب.ويعزف الكاتب على وتر جديد وهو الغربة ثم العودة إلى الوطن بعد غياب عشرين عاما تقرر الزوجة العودة لتموت في وطنها وتترك زوجها وابنتها العروس التي تزوجت وتركت والدها وهي رحلة الحياة الطبيعية ويتعرف الأب على امرأة آخرى تدعى دنيا مات عنها زوجها وترك لها ابنا له ميراث لا يريد عمه اعطاءه له إلا بزواجه من أمه وترفض دنيا التي تموت هي أيضا وتترك الابن والرجل يصارعان الحياة من بعدها وجاء اختار الاسم ذكيا من قبل الكاتب فكانت فعلا هي الدنيا التي نحياها بكل ما فيها من شر وخير.
الكيس الأسود ما هو إلا وعاء إنساني من لحم ودم ومشاعر يثور ويغضب ويحب ويكره.
الكيس الأسود مجموعة تستحق القراءة والاقتناء.
***************
السيد شليل 20/9/2018