بقلم / د. محمد الصوفي زين العابدين
رئيس لجنة التنمية الزراعية والثروة المائية – محافظة الجيزة
وفقاً لتعريف الأمم المتحدة لتغير المناخ، فإن هذه الظاهرة تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة والتغير المستدام في أنماط الطقس على مدى طويل. يمكن أن يكون جزء من هذا التغيير طبيعياً نتيجة زيادة الإشعاع الشمسي، ولكن الجزء الأكبر يُعزى إلى النشاط البشري منذ العصر الصناعي بعد عام 1750 ميلادي، وخاصة بسبب احتراق الوقود الأحفوري وزيادة استخدام الفحم. كما تشمل بعض العوامل البشرية المؤثرة مثل الأنشطة الزراعية والأنشطة المرتبطة بإجترار الحيوانات بالإضافة إلى إزالة الغابات وتغيير نمط
استخدامات الأراضي وانتشار الأسمدة الكيميائية وتحلل المواد العضوية في التربة ولكن على وجه العموم تُعتبر الصناعة والنقل وتوليد الطاقة مسؤولة عن حوالي 61% من انبعاث غازات الاحتباس الحراري المسببة للاحتباس الحراري العالمي. تليها الزراعة بنسبة تقارب 31%. ومن الجدير بالذكر أن القطاع الزراعي يساهم بما يقرب من 4% فقط من الناتج القومي الإجمالي مقارنةً بالصناعة التي تسهم بحوالي 30%؛ مما يعكس تأثير الزراعة البالغ على المناخ بالمقارنة مع القطاع الصناعي.
يعتبر غاز ثاني أكسد الكربون (CO2 ) هو المسبب الأول للإحترار العالمي وإحتباس حرارة كوكب الأرض بداخلها وعدم خروجها إلي الفضاء الخارجي بنسبة 66 % يلية غاز الميثان( NH4 ) بنحو 16 % ثم أكسيد النتروز (N2O) بنسبة 7%، بالإضافة إلي تأثيرات ملموسة لغازات الأوزون ( O3 ) والفلور( F) وسداسي فلوريد الكبريت (SF6) ومركبات الهيدروكربون المشبع بالفلور والهالوكربونات وأخيرا مركبات الهيدروفلوروكربون
وعلي ما يبدو أن الرئات الأربع لكوكب الأرض متمثلة في المياه المالحة للبحار والمحيطات وجليد القطبين والغابات الشجرية مستديمة الخضرة والترب الزراعية والتي تخلصها من تراكمات غاز ثاني أكسيد الكربون قد تشبعت بقدر كبير بسبب غزارة انطلاق هذا الغاز من الأنشطة البشرية فتحمّضت البحار نتيجة لذوبان الغاز في مياهها منتجا حامض الكربونيك والذي يتسبب في تسلخ جلود الأسماك وفي تحول الألوان الزاهية للشعاب المرجانية إلي اللون الأبيض بما يؤثر على قطاع السياحة والغوص. ويؤدي أيضا الي ذوبان جزء كبير من جليد القطبين حيث قُدر ما يفقد سنويا بالإسالة من جليد القطب الجنوبي ما بين 125 إلي 225 جيجا طن بسبب زيادة ذوبان هذا الغاز بانخفاض درجات الحرارة.
هناك أيضا إزالة مساحات كبيرة من الغابات الشجرية مستديمة الخضرة التي تمتص هذا الغاز منتجة الأكسيجين أثناء عملية التمثيل الضوئي لأوراقها الخضراء، وذلك لإحلالها بالزراعة الموسمية أو المساكن والمصانع وأيضا الإتجار في أخشابها
.
هناك أيضا أنهاك الترب الزراعية بالزراعة الكثيفة المتتالية من التقاوي عالية الإنتاجية لإنتاج المزيد من الغذاء لمواجهة الزيادة السكانية بما أدى إلى تدهور وتراجع إنتاجية نحو ثلث الأراضي الزراعية في العالم وبما قلل من دورها كحوض للكربون ومنتج أوحد للغذاء.
ولقد حددت الإستراتيجية المصرية لمجابهة تغيرات المناخ حتى عام 2050 والتي أطلقتها وزارة البيئة المصرية في مايو 2022، هدفين رئيسيين للتصدي لتداعيات تغيرات المناخ على مصر وهما تحقيق تنمية مستدامة منخفضة الانبعاثات الغازية في مختلف الأنشطة خاصة في مجالات الطاقة والصناعة والنقل والمواصلات والمياه والزراعة والتي تمثل العوامل الرئيسية للانبعاثات الغازية. والهدف الاخر هو زيادة سعات القدرة على الصمود والتأقلم مع التغيرات المناخية والحد من التأثيرات السلبية وتداعيات هذه التغيرات.
لا يدخر قطـاع الكهربـاء في مصر جهـدًا فـي تعظـيم الاسـتفادة من الطاقة النظيفة بقدر الإمكان مع مراعاة اسـتقرار شـبكة نقـل الكهربـاء ؛ حيـث عمـل علـى الاسـتفادة مـن مصـادر الطاقـة المتجـددة كافـة ، وقـد وصـلت القـدرات المركبــــــــة مــــــــن الطاقــــــــة الكهرومائيــــــــة إلــــــــى نحــــــــو 2832 ميجــاوات ، وتــم رفــع القــدرات مــن طاقــة الريــاح لتصــل حاليـا إلــى نحــو 1630 ميجــاوات ، بالإضــافة إلــى الوصول بالقدرات من الطاقة الشمسية لتصـل حاليـا إلــــى 1770 ميجــــاوات ، والتــــي منهــــا مشــــروع بنبــــان – أســــوان ، والــــذي يعــــد مــــن كبــــرى محطــــات الطاقــــة الشمســـــية فـــــي العـــــالم فـــــي موقـــــع واحـــــد بقـــــدرة 1465 ميجاوات ، وقد نجح هذا المشـروع فـي جـذب ثقـة عدد كبير من المستثمرين في الطاقـة الشمسـية مـن خـــــلال عـــــدد 32 اتفاقيــــــة لشـــــراء الطاقـــــة بإجمــــــالي اسـتثمارات تبلـغ 2 مليـار دولار ؛ ممـا يسـهم فـي تـأمين الطاقة ، وخفض الانبعاثات الكربونية. هـــذا ويقـــوم القطـــاع حاليـا باتخـــاذ الإجـــراءات اللازمـــة بهــــدف إضــــافة 3800 ميجــــاوات مــــن طاقــــة الريــــاح والطاقــــة الشمســــية مــــن خــــلال مشــــروعات هيئــــة الطاقة الجديـدة والمتجـددة والقطـاع الخـاص لتقتـرب الطاقـــــــــات المتجـــــــــددة المركبـــــــــة بالشـــــــــبكة مـــــــــن 10000 ميجاوات بنهاية عام 2025
ويــــأتي تحــــرك قطــــاع الكهربــــاء والطاقــــة المتجــــددة المصـــري متوافقًـــا مـــع توجـــه الدولـــة المصـــرية نحـــو تحقيق التنمية المستدامة؛ حيث أعلنت مصـر فـي عـام 2014 عـــــــــــن اســـــــــــتراتيجية التنميـــــــــــة المســـــــــــتدامة “مصـر 2030″، وفـي هـذا الإطـار تـم اعتمـاد اسـتراتيجية الطاقة المستدامة والمتكاملة في عام 2016 حتى عام ،2035 والتــــــــي تناولــــــــت دراســــــــة لجميــــــــع إمكانــــــــات وسيناريوهات الطاقـة فـي مصـر، مسـتهدفة مشـاركة الطاقــات المتجــددة بنســبة %42 مــن مــزيج الطاقــة، ويجـرى حاليـا تحــديث اسـتراتيجية الطاقــة المســتدامة والمتكاملــــة، وذلــــك فــــي ضــــوء المتغيــــرات الجديــــدة لتصـــبح حتـــى عـــام ،2040 وتســـتهدف زيـــادة مشـــاركة الطاقــات المتجــددة فــي مــزيج الطاقــة بنســبة تتجــاوز ،%42 أخــذًا فــي الاعتبــار ظهــور التكنولوجيــات الحديثــة، مثــــل: طاقــــة الهيــــدروجين الأخضــــر، وأنظمــــة تخــــزين الطاقـــة، والتـــي مـــن شـــأنها تعظـــيم الاســـتفادة مـــن الطاقــات الجديــدة والمتجــددة، وخاصــة أن مصــر مــن الــدول التــي تتمتــع بقــدر هائــل مــن مصــادر الطاقــات المتجددة، خصوصًا من الرياح والشمس. كمـــا تـــولي مصـــر اهتمامًـــا كبيـــرًا بمشـــروعات الـــربط الكهربــائي الإقليمــي مــع دول الجــوار بفضــل موقعهــا الاســتراتيجي بــين قــارات إفريقيــا وأوروبــا وآســيا، حيــث ترتبط مصر كهربائيا مع الأردن من جهة الشرق، وليبيا مــن جهــة الغــرب، والســودان مــن جهــة الجنــوب، وجــارٍ حاليـا تنفيـــذ مشـــروع الـــربط الكهربـــائي مـــع المملكـــة العربيــــــــــة الســــــــــعودية لتبــــــــــادل قــــــــــدرات تصــــــــــل إلى 3000 ميجاوات، بالإضافة إلى التنسيق مع الجانب الأردني لرفع قدرات خـط الـربط الكهربـائي بـين البلـدين، فضـلًا عـن أنـه تـم توقيـع مـذكرات تفـاهم للتعـاون فـي مجــال الــربط الكهربــائي مــع قبــرص واليونــان بهــدف تصدير الطاقة النظيفة إلى أوروبا.
ومن أبرز المشروعات المصرية في الطاقة النظيفة نجد علي سبيل المثال :
1. مشروعات الوقود الخضراء: حيث نجد 16 مذكرة تفاهم تم توقيعها لإنتاج الامونيا الخضراء والهيدروجين الأخضر في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، منها 9 مذكرات تم تحويلها لعقود فعلية
2. مشروع توليد الكهرباء بتكنولوجيا الضخ والتخزين “عتاقة ” : نجد ان 2.7 مليار دولار اجمالي الاستثمارات للمشروع لإنتاج 2400 ميجاوات اجمالي القدرة الإنتاجية للمشروع
3. مشروع مجمع بنبان للطاقة الشمسية: 2.0 مليار دولار اجمالي الاستثمارات للمشروع لإنتاج 1465 ميجاوات اجمالي القدرة الإنتاجية للمشروع
4. محطة جبل الزيت لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح: 12.0 مليار جنيه اجمالي الاستثمارات للمشروع لإنتاج 580 ميجاوات اجمالي القدرة الإنتاجية للمحطة
5. محطة طاقة الرياح بالسويس: 4.3 مليار جنيه قيمة عقد تنفيذ المحطة لإنتاج 250 ميجاوات اجمالي القدرة الإنتاجية للمحطة.
ومن الجدير بالذكر أن هناك توجهًا مصريًا للعمل على استغلال الطاقة الحرارية الجوفية المستخرجة من باطن الأرض في توليد الكهرباء وخصوصًا في منطقة جنوب سيناء (مثل منطقة حمام فرعون وعيون موسى)، فان استغلال هذه الطاقة يكون عن طريق استغلال مياه الينابيع الحارة والتي اكتسب حرارتها من باطن الأرض وأيضًا عن طريق استغلال الصخور ذات درجات الحرارة المرتفعة، وتُعد تكلفة إنتاج الكهرباء من هذه المصادر غير مرتفعة مقارنة مع المصادر الأخرى.
المقترحات والتوصيات:
1- ادماج البعد البيئي كعنصر أساسي في جميع المشروعات التنموية
2- إنشاء بنية تحتية لإنتاج الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية مع استغلال طاقة الرياح والمياه لإنتاج وقود نظيف
3- دعم وتشجيع دور القطاع الخاص في استثمارات المشاريع الخضراء وتوفير البيئة المناسبة
4- دعم المشاركات التشريعية الحاسمة في تطبيق القوانين والتشريعات والسياسات العامة
5- تكوين فريق قوي للتأقلم ومجابهة تغيرات المناخ مكون من وزارات البترول والصناعة والطاقة والمواصلات ووزارات الموارد المائية والزراعة والتعليم
6- الاستعانة بالأبحاث العلمية والمشاريع الابتكارية في مجالات الطاقة النظيفة والعمل على تطبيقها