يقلم الدكتور / احمد الجيوشى
ما من وزير يعتلي سدة الوزارة في التربية و التعليم الا و ينشغل من ساسه لراسه بهاجس الثانوية العامة و كيف يغير نظامها ليحقق ما لم يحققه اسلافه، و ليجعل عملية الالتحاق بالجامعات عملية سهلة ميسورة دون “قيود” مكتب التنسيق المتهم بكل الموبقات، و هم ينعون علي مكتب التنسيق هذا أنه لا ينظر الا لمجموع الدرجات فقط دون اي اعتبار لقدرات الطالب و ميوله، مع أن الطالب الحاصل علي مجموع الطب مثلا في نظام التنسيق الحالي له مطلق الحرية أن يذهب لاي كلية اخري طالما ميوله لها .. لكن الطالب الحاصل علي مجموع اقل من مجموع الطب كيف نلحقه بهذه الكلية مهما كانت رغبته او رغبة ذويه؟؟ هل نقدمه علي من هم اعلي منه مجموعا طالما سيادته له رغبة؟؟ و اي معيار هذا الذي يطبق هنا؟؟ اليس من الاجدر ان نطور الاختبار ذاته ليكشف القدرات الحقيقية للطلاب؟؟.
و الحقيقة أننا جميعا عندما نقيم الثانوية العامة الحالية نقيمها كامتحان واحد ووحيد في نهاية المرحلة، و كأننا و كأن الطلاب ولدوا في سنة ثالثة ثانوي فقط دون ما سبقها من سنوات، أو كأن الاسر كلها ولدت يوم تنسيق الثانوية العامة لتجد ابنائها “مجبرين” علي الالتحاق بكلية بعينها وفق مجموع الطالب مع انه “يا نن عيني” كان عاوز يروح كلية تانية تلبي ميوله و طموحاته بغض النظر عن مجموعه!!!.
و الأدهي و الأمر اننا ننسي جميعا أن السنة الثالثة في الثانوية العامة ومكتب تنسيقها هي آخر حلقة من حلقات تحقيق رغبات الطالب و ميوله هو و اسرته و كل معارفه و ليست الاولي و الاخيرة كما يدعون .. فالطالب الذي انهي لتوه مرحلة الشهادة الاعدادية يمر بأول مرحلة اختيار و تحقيق رغبة و ميول (١) و هي اختيار ثانوي عام أم ثانوي فني، ثم يمر بعد اولي ثانوي عام بثاني مرحلة اختيار و تحقيق رغبة و ميول (٢) وهي اختيار شعبة أدبية أم شعبة علمية، ثم يمر بعد ثانية ثانوي بثالث مرحلة اختيار و تحقيق رغبة و ميول (٣) وهي اختيار علمي علوم أم علمي رياضة، ثم في نهاية العام الثانوي الثالث وبعد امتحان الثانوية يقوم كل من مر بالاختيارات السابقة في الثانوي العام بالمرور من مرحلة الاختيار الرابعة و الاخيرة و هي مكتب التنسيق وفق مجموعه، مع مراعاة أن الطالب المتفوق في اي شعبة من الشعب يستطيع الالتحاق بأي كلية حسب ميوله طالما انه حقق اعلي مجموع، لكني لا افهم و لا اتفهم ابدا رغبة و حديث البعض عن تطلعهم لالحاق طالب ما بكلية اعلي من مجموعه لمجرد ان هذه رغبته و ميوله.
الخلاصة:
١. الثانوية العامة الحالية و مكتب تنسيقها هما نهاية اربع (٤) مراحل اختيار و تخيير للطالب منذ نهاية الشهادة الاعدادية وصولا للثانوية العامة، و هي ليست ثانوية الفرصة الواحدة كما يقولون.
٢. التشعيب في الثانوي العام هو نفسه “المسارات” التي يتحدثون عنها الان، و التشعيب هو النظام الاكثر تنظيما و انضباطا و فرصا في النجاح، و اذكر هنا ان نظام المواد الاختيارية في التعليم الجامعي لم ينجح كثيرا خصوصا مع الاعداد الكبيرة للطلاب مع انها أعداد تبدو صغيرة جدا امام اعداد طلاب الثانوية العامة المركزية.
٣. نظام التحسين المقترح الان تم تطبيقه سابقا وعدلنا عنه لانه لا يحقق تكافؤ الفرص للطلاب من حسن و من لم يحسن خاصة ان هناك تكلفة ستدفع، ناهيك عن عدم تكافؤ الفرص في الالتحاق بالجامعات الحكومية لمن حسن و من لم يحسن.
٤. اقترح كبديل للتحسين المقترح وايضا لتمكين الطلاب من اظهار قدراتهم عقد امتحان الثانوية العامة علي مرحلتين لكل شعبة من الشعب: الاول امتحان نهاية المرحلة الثانوية في كل موضوعات الدراسة كل مقرر بمفرده كونها مرحلة يجب ان تكون منتهية (وهذا اختيار خامس)، و هو امتحان ورقي وباسئلة مقالية في معظمه، و الثاني امتحان “قدرات” مدمج الموضوعات ليقيس المهارات و القدرات العليا من التفكير، و هو امتحان قبول في الجامعات نستطيع من خلاله تصنيف الطلاب في كل شعبة حسب قدراتهم و ميولهم، و من ثم ندمج نتيجة الامتحانين في درجة واحدة يلتحق علي اساسها كل طالب بالكلية التي يرغب فيها شرط ان يكون مجموع الالتحاق بها اقل من مجموعه.
قطعا القبول بالجامعات الحكومية شبه المجانية تتطلب نظام التحاق عادل منصف يحقق تكافؤ الفرص بعيدا عن القدرات المالية، و لا بد ان نحقق له تلك المعايير باعلي مستوي ممكن، أما الجامعات الخاصة و الاهلية و الدولية فلدينا هامش حركة يمكن التحرك فيه دون ان نهدر كثيرا المعايير الحقوقية التي تحدثت عنها آنفا، مع تمنياتي القلبية لهذا البلد الحبيب بكل خير و سلامة و أنت و مستقبل زاهر مشرق.