الدكتور احمد اسماعيل يكتب:
في اليوم العالمي للمرأة وعندما يبدأ الواحد منا بالبحث في كتاب ما مضى في حياته عنها وإذا اخده الحنين وما يسمونه نوستالجيا. وعندما يستحضر الذهن جولاته ومحطات رحلاته باحثا عن كينونة المرأة في حياته، يدرك أن المرأة لم تكن يومًا ذات دور عادي او يمكن استبداله او تستقيم الحياة بدونه. بل كانت على الدوام هي الأوردة والشرايين الأصيلة في معادلة بقاء القلب نابضاً. لأنها هي من جعلها الله سببا لأن تصنع للوجود معنى. في اليوم العالمي للمرأة، أقف بإجلالٍ أمام كل امرأةٍ تركت بصمةً على درب الحياة، فكانت صاحبة الأثر والتأثير وحصن القيم دون ان تدرك أو تدري. فقد استحوذت بفطرتها على معاني الوفاء والعطاء والإيثار والودّ.
*إنها الأم: التى أنجبت، والأم التي تعبت وربّت، فكل أم هي الصفحة الأولى التي يخُطّ فيها الإنسان سيرته، والمصابيح التى تنير الطريق لأبنائها كلما اشتد عليهم ظلام الأيام. هي لكل ابن قصيدة تُعبّرُ دون أن تُكتب، وموسيقى لا تُعزَف ولكن تُطرِب، وفيها سرّ الروح التي تُسْكِنُ القلبَ وتُطَمْئنُ العقل.
*المرأة في حياتنا هي العمّةُ والخالة: العَمّةُ شقيقة الأب في حياتنا ظلٌ وارفٌ وباب حب خاصة لمن رحلت أمه، وهي عقل الأب وقلب الأم وهي الأخت الكبرى لمن لا اخت له. أما الخالة فحكاية امتدادها قلب أم، يدٌ تحنو دون غرض، ونفسً تهتم دون مقابل. ترى في عين الخالة بريق حنان مصدره ما طوته في قلبها مما كان بينها وبين اختها من رباط. بين العمّة والخالة كثير من الشبه والتكامل. لا تُنْسيكَهُمُ الأيام مهما باعدت بينكم مسافات او اَجالٌ وأقدار. تتردد اصواتهم على مسامعك وإن لم تسمعها من سنين.
*المرأة في مكنون الذاكرة هي الجدّةُ، تلك الحالة التي قد يجتمع فيها كل ماسبق، هي التاريخ المنسوج بخيوط الحكايات ومدرسة القيم والمُثُل التى تتشربها وتتعلمها منها دون أن تدري، النصائح المنسابة كالرحيق، هي العمود الفقري للعائلة تحافظ على تماسكها وتورثها الدفء والبقاء. فهنيئا لمن شرفه الله أن يدرك جداته في حياته. فالجدة لأم أو لأب ما غابت عن النفوس ذكراها مهما طالت سنوات الفراق منذ الرحيل لرحاب رب رحيم. الجدة في حياتنا شجرة وافرة الظلال، قلب عامر بالعطاء ما خذل أحدا لجأ إليه. أكرمه الله من قضى في رحاب جداته او احداهن سنين نهل من حكمتها ورأي في انحناء ظهرها كيف تصوغ الأيام إنسانا يعطِي دون ضجيج. حتى ما تمليه من وصايا وحكمة كانت تمارسها وتجسدها واقعا وسلوكاّ دون تنظير أو تكلّف. فطرة لم تزخرفها شهادات علمية او مناصب. مازلنا نستشعر دفء الود في كل دعاء همست به وهي تمسح بيدها الحانية رؤوسنا. مع الجدة عرفنا الصبر وكيف يكون الصبر على نوائب الحياة حياة. الحب من الجد او الجدة فعلا وليس كلاما. فنادرا ما تجدهم ينطقون به او يؤكدون عليه. ولكن كل حفيد يرى ويدرك الحب في دعواتهم وفي خوفهم الذي لا يهدأ إلا إذا رؤوا الكل بخير. الجدات جذور ممتدة بداخلنا مازلت تروي العقل والقلب على ظمأ خلفته الأيام. الجدات حكاية لن تنتهي وإن كانت الأجساد قد غابت فالنهار باقية.
*المرأة في حياتنا هي الزوجة، قارب النجاة وشاطيء الطمأنينة حينما تشتد العواصف ويعلو الموج، هي ميناء الأمان لسفينة الحياة، وحين تضيق رحابة الأيام. هي رفيقةُ الأيام، معها يبدأ الحلم، وبدعمها وثباتها يتحقق الطموح، الزوجة لنا هي الأم احيانا والأخت اوقاتا والصاحبةُ دائما. هي صاحبة الأثر العميق الذي لا تدركه العيون بقدر ما تستشعره الأرواح. هي ليست نصفًا، بل هي سبب للحياة.
*المرأة والأنثى هي الإبنةُ قُبلةُ القدر على جبين أبيها، نسمةُ العذوبة التي ترفرف في جنبات حياته. هي المستقبلُ الذي يُروَى بحب اليوم، وهي الغدُ الذي تراه يتكون وتتضرع الى الله أن يصل إلى تحقيق الأمنيات حتي يعانق أعالي القمم. الإبنة هي العيون الحانية والقلب الرقيق الرقراق وإن لم تنطق الشفاه منها بكلمة.
في يوم المرأة – وحق لها كل الأيام – إلى كل امرأةٍ جعلت بيتها حصنًا عامرًا، وسخّرت قلبها وحياتها لأبنائها دون كلل أو مَنّ ، وتضيء الدروب بقوة وثبات لا يعرف الوهن… إليكِ كل التقدير، فأنتِ بيديْكِ اللتين تئنّان من التعب، لكنك انت سبب الحياة.
في هذا اليوم، بكلماتي المتواضعة هذه أحتفي بالمرأة صانعةِ وجود، وبانية إنسان ومهندسةِ حياة، جوهرةٍ غالية أودعها الله في قلب هذا الكون. لتبقَ المرأةُ قيمةَ لا تزول، وشعلةَ لا ينالها الخفوت. إلى كل حواء أدركت عظم دورها فأثبتت أن العظمة هي في حقيقتها الأنثى.

























