الدكتور احمد اسماعيل يكتب:
كان عددهم ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا معهم فَرَسانِ وسبعون جملاً، يقاتلون ألف رجل معهم مئتا فَرَس وقوافل من الجِمال لم يُعرَف لكَثْرَتها عددًا.
الثلاثمائة كان سلاحهم اليقين، وأن النصر ليس رهين العتاد فقط.
والألف مقاتل بأسطولهم وعتادهم سيطرت عليهم هيبة مصطنعة وقوة وهمية وأوْصَلهم غرور القوة الى نسيان نواميس الكون وسنن التاريخ، والتى من اهمها ان صاحب الحق منتصر ولو بعد حين. وأن قوة العتاد واحد من كل من عوامل النصر ولكنها ليست كل النصر أو سببه. وأن الغلبة ليس لمن يمتلك الدعم والرعاية من قوى الشر ولكن الغلبة لمن ثبت وصمد.
ها هو التاريخ يعيد نفسه.
عندما نفتح كتاب دروس التاريخ على صفحة مثل هذا اليوم السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة، صفحة معركة بدر الكبرى. رسائل اليقين التي تتراءى والأسباب المادية التي ينحسر ثِقلَها في ميزان القوى.
وكأن بدرا تقول لنا إن كانت قريش قد تمادت في غطرستها من أجل أن ترعب العرب ويزيع صيتها بأنها لا تُقهر، فإن التاريخ يقول ان التدثر بالسلاح والارتكان الى العدد والعتاد الداعم لن يحمي أحدا من مآل الطغاة. صرخات التاريخ تشق المدى وتُعلى الصدى لتخاطب أصحاب الحق أن يصمدوا. ويُنذر المتغطرس أن القوة المادية لن تمنحكم الأمان. وأن الحلقات ضاقت واستحكمت وضبط النفس قد بلغ منّا مَدَاه،
ها هو التاريخ يعيد نفسه، وها هو الكيان البغيض يعيد للأرض خطايا قريش. واهمة ان الدعم العسكري الغربي سيحميها من سُنَن التاريخ ونواميس الكون وموعود الله.
لكن ساعة الفرقان آتية إن أرادوا التعجيل بها، وكما تمثل ابليس لقريش في هيئة سُراقة، وقال لهم: «لا غالب لكم اليوم من الناس وأنا جار لكم»، سوف يَخيبُ ظنّ شيطان البيت الابيض حتى إذا التقت الجموع و (تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) ….
لن ينقذ الكيان البغيض من غضب المصريين أحد. فلم يعرف التاريخ الحديث فترة عصيبة احتقنت فيها عروق الأطفال قبل الشيوخ والنساء قبل الرجال ضد الصهاينة أكثر من هذه الفترة …
وكما ان قريش تجبروا وعذبوا وطردوا وشردوا النبي وأتباعه حتى دفعتهم الى الهجرة من احب البلاد اليهم واستولت قريش على ديارهم وأموالهم. فعندما جاءت ساعه المواجهة كانت ألسنة النار التى اشعلتها قريش في قلوب المسلمين هي من هزمتهم.
علي مدار عام ونصف لم تترك إسرائيل حرجا في الصدور إلا نكأته، ولا صبرا إلا وأحالته قهرا، وغبيةٌ إن ظنت أن هذا القهر سوف تنجو منه. بل سيكون الدمار المحقق لها. فإن ما زرعته إسرائيل دما ونارا سوف تجنيه زوالاً ودماراً. إن ما زرعته من تجدد الكراهية لها يكفي لسحقها تحت وطأة أحذية جيش وشعب وقوده الغضب والثأر الذي لن يرحمها.
بدر ليست معركة طوتها صفحات التاريخ. ولكنها درس متجدد … وما بالنا إن كان أصحاب الحق اليوم قد منّ الله عليهم بجيش على أهبة الاستعداد ينتظر شارة البدء لسحق من يحتمون خلف جدران الزيف والوهم. وساعتها ستتغير موازين القوى ويتأكد الواهمون أن الصبر ليس ضعفا. وأن احترام القوانين الدولية لا يعني استمرار الصمت. وإن إرادة الله سوف توافق وتدعم ارادة الشعوب المتمسكة بحقها في كسر شوكة المعتدين..
والله غالب على أمره