دكتورة / سماح باقي تكتب
هل يبقى الهادف أم يسود العابر؟
كنا صغار حين استمتعنا بمشاهدة أفلام ومسلسلات يفصلنا عنها عشرات السنوات ، فمن من جيل الثمانينيات ينسى مراتي مدير عام ، الفيلم الذي عالج قضية تمكين المرأة في قالب كوميدي التفت حوله العائلة بالكامل.
وقياسا على ذلك أفلام مثل أغلى من حياتي ، اللص والكلاب ، بين القصرين.
وتأتي الدراما في السبعيينيات لتقدم لنا ابنائي الأعزاء …شكرا ليعالج قضايا إجتماعية وأسرية بمنتهى الدفء المجرد من التعقيدات.
واللقاء الثاني ، وهو وهي
وفي البرامج يطل علينا ” نادي التلفزيون ‘” و “أخترنا لك” ، ونادي السينما ، والعلم والإيمان ، وعالم البحار ….وغيرهم الكثير .
علاوة على الإذاعة المصرية التي أثرت وجداننا ببرامج البرنامج العام والمسلسلات الإذاعية التي شكلت جزء من العائلة المصرية كمسلسل ” عائلة مرزوق”.
والسؤال اليوم ، ماذا حدث أين الفن والرسالة ، أين الدراما التي شكلت وجداننا وتصورتا عن الحياة في الكبر حين كنا صغارا؟!
في عصر التكنولوجيا والاتصال السريع، أصبح كل شيء يتغير بسرعة البرق:
حتى الفن لم يسلم من هذا التيار الجارف، فبينما كان الفن الهادف يسعى دائمًا لإيصال رسالة أو إحداث تأثير عميق، ظهر نوع جديد من المحتوى الفني، وهو الترند العابر، العابر لنفوسنا السوية إلى أسوأ ما يمكن أن تحمله النفس
هذا الترند الذي يعيش للحظات ثم يختفي في زحمة الأخبار والمنشورات، فهل يمكن للفن الهادف أن يصمد أمام هذه العاصفة الرقمية؟
الفن الهادف: جوهر يستحق البقاء
الفن الهادف لم يكن يومًا مجرد ألوان أو ألحان جميلة، بل هو مرآة تعكس قضايا المجتمع، وتنقل المشاعر، وتُلهم الأجيال، من ألحان بليغ ومكاوي والسنباطي إلى أغاني أم كلثوم وحليم ووردة ، كان الفن دائمًا وسيلة للتعبير العميق والتأثير الحقيقي ، هذا النوع من الفن لا يُستهلك سريعًا، بل يظل في الذاكرة والوجدان، ويُعاد اكتشافه مع كل جيل جديد.
الترند الفني: ضجة بلا عمق؟
على الجانب الآخر، ظهر ما يمكن أن نطلق عليه “فن الترند”، وهو ذلك المحتوى الفني الذي ينتشر بسرعة هائلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى شاشات التليفزيون ، لكنه غالبًا ما يكون بلا رسالة واضحة أو قيمة طويلة الأمد، بل يهدم في نفوسنا القيم والأمان على مستقبل أولادنا أغنية تحقق ملايين المشاهدات في أيام، رقصة تنتشر كالنار في الهشيم، أو لوحة تُثير الجدل ثم تُنسى بعد أسبوع، وبلطجي هو البطل الشعبي ، وساقطة هي قدوة الفتيات في عمليات التجميل !! ورغم أن هذا النوع من الفن يحقق شهرة واسعة، إلا أن تأثيره نادرًا ما يكون دائمًا.
لماذا يسيطر الفن العابر؟
1. الثورة الرقمية: مع وجود الهواتف الذكية ومنصات التواصل، أصبح الوصول إلى المحتوى أسرع من أي وقت مضى، مما أدى إلى تراجع تركيز الجمهور على الأعمال العميقة.
2. *الاقتصاد السريع للمحتوى:* في عصر السوشيال ميديا، يعتمد نجاح أي محتوى على عدد المشاهدات والتفاعل، وأمام ما تجريه اللجان الإلكترونية من تسويق زائف ، وليس بالضرورة على الجودة أو الرسالة.
3. *الضغوط التجارية:* الفن الهادف يحتاج إلى وقت وتخطيط، بينما يمكن إنتاج المحتوى العابر بسرعة ودون تكلفة كبيرة، مما يجعله أكثر جذبًا للمنتجين والمستثمرين.
هل يمكن للفن الهادف أن يستعيد مكانته؟
رغم انتشار الترندات العابرة، إلا أن الفن الهادف لم ولن يختفي. فالأعمال العميقة تجد دائمًا جمهورها، ولو بعد حين. والدليل على ذلك هو استمرار الاهتمام بأعمال أدبية وسينمائية وموسيقية تعود لعقود مضت. لكن التحدي يكمن في كيفية دمج الفن الهادف مع الأدوات الحديثة للوصول إلى جمهور أوسع ، وهو ما حدث مع بعض من مسلسلات رمضان التي أعادت معالجة أعمال فنية قديمة بصورة جديدة .
كيف نحافظ على الفن الهادف ، وإعادة توطين الفن المصري بما يتناسب مع قيمنا ؟
-استخدام المنصات الرقمية بذكاء: يمكن للفنانين توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لنشر محتوى يحمل قيمة ورسالة، دون الوقوع في فخ التريندات السطحية.
– تشجيع الجمهور على التفاعل مع الفن العميق:
– يمكن أن يتم ذلك من خلال مبادرات فنية ومسابقات تُحفّز الإبداع الحقيقي.
– *دمج الفن الهادف مع وسائل الترفيه الحديثة*: مثل الأفلام القصيرة ذات المغزى، أو الأغاني التي تمزج بين الطابع الشعبي والرسائل العميقة.
قد يكون عصر السرعة قد غيّر طريقة استهلاكنا للفن، لكنه لم يُلغِ الحاجة إلى الفن الهادف. فبينما تتلاشى الترندات بسرعة، تبقى الأعمال العميقة لتُذكّرنا أن الفن الحقيقي لا يُقاس بعدد اللايكات، ولا المشاهدات ، بل بمدى تأثيره في القلوب والعقول ، ذلك الفن الذي لا نخجل من مشاهدته وسط أولادنا وأحفادنا .