في مداخلة هامة على قناة النيل للأخبار اليوم ١١مايو ٢٠٢٥
حذر دكتور/ محمد محسن رمضان
مستشار الامن السيبراني ومكافحة الجرائم الالكترونية
من تطور مكالمات الاحتيال بسرعة مذهلة مع دخول الذكاء الاصطناعي على الخط، إذ أصبحت أكثر ذكاءً، وخداعًا، وفاعلية من أي وقت مضى، ما جعلها تمثل تهديدًا عالميًا حقيقيًا يتجاوز المليارات وصولًا إلى تريليون دولار من الخسائر حول العالم، تشمل الاحتيال عبر الإنترنت والمكالمات الهاتفية الاحتيالية.
وقال : المحتالون لم يعودوا بحاجة إلى رسائل آلية نمطية تثير الشكوك بسهولة. اليوم، يمكنهم تقليد صوت أمك أو ابنك أو مديرك في العمل ببضع ثوانٍ من تسجيلات صوتية مأخوذة من وسائل التواصل الاجتماعي، باستخدام تقنية “استنساخ الصوت” المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي… أداة الاحتيال الجديدة
استخدمت هذه التقنية لإجراء مكالمات تبدو حقيقية إلى حد يُفقد الضحية قدرته على التمييز. في واحدة من أكثر الحالات رعبًا، تلقت أم مكالمة يائسة من شخص يبكي ويطلب النجدة، بدا تمامًا كأنه ابنتها، قبل أن يتحدث إليها شخص آخر مدّعياً أنه خاطف ويطلب فدية مالية. لاحقًا تبين أن الابنة كانت في أمان تام، وأن المحتالين استخدموا الذكاء الاصطناعي لاستنساخ صوتها بدقة مقلقة من أحد مقاطع الفيديو الخاصة بها.
ولم يعد الأمر يقتصر على انتحال أصوات، بل تطورت الخوارزميات لتُحلل البيانات الشخصية المتاحة علنًا – مثل منشورات التواصل الاجتماعي، والمنتديات، وسجلات البيانات المُسربة – وتستخدمها في تصميم مكالمات احتيالية دقيقة تستهدف كل شخص بمحتوى يخصه، سواءً كان متعلقًا بتاريخه الطبي أو سفره أو مشترياته الأخيرة.
تطور مذهل في أساليب الاحتيال
لا يقتصر الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات، بل يُستخدم كذلك لانتحال هوية المتصل، بإظهار رقم هاتف يبدو مألوفًا للضحية، كأن يكون من شركة اتصالات محلية، أو جهة حكومية رسمية، أو حتى رقم أحد أفراد العائلة. هذا التلاعب يجعل من الصعب تجاهل المكالمات، ويزيد فرص نجاح الاحتيال.
وباتت الأساليب التقليدية لحظر المكالمات أو التعرف على الأنماط الاحتيالية غير كافية، لأن الذكاء الاصطناعي يُمكّن المحتال من تنويع المحتوى وتجاوز الفلاتر الرقمية بسهولة، ما يجعل التصدي لهذا النوع من الجرائم تحديًا تقنيًا وأمنيًا متصاعدًا.
حجم المخاطر:
• تُقدّر الخسائر العالمية جراء الاحتيال الإلكتروني والهاتف الاحتيالي بأكثر من تريليون دولار.
• تقنية “استنساخ الصوت” أصبحت متاحة بسهولة على الإنترنت، ويمكن استخدامها بعدة طرق إجرامية تشمل:
o الابتزاز.
o خداع الآباء.
o سرقة أموال من الشركات عبر منتحلي شخصية المديرين التنفيذيين.
• بات من الممكن لأي شخص – بمستوى متواضع من الخبرة – استخدام أدوات مفتوحة المصدر لاستنساخ صوت شخص ما بدقة شبه تامة.
طرق الحماية والتصدي:
1. الذكاء الاصطناعي في مواجهة الذكاء الاصطناعي:
بدأت شركات الاتصالات الكبرى باستخدام تقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة لتحليل أنماط المكالمات والتعرف على الأصوات المُولدة آليًا. تشمل هذه التقنيات:
• تحليل البيانات الوصفية في الوقت الحقيقي للكشف عن المكالمات المشبوهة أو التي تأتي من مناطق غير معتادة.
• الكشف عن السمات الصوتية الدقيقة التي تُميز الأصوات المزيفة والمُزورة باستخدام تقنية “التزييف العميق”.
2. أنظمة تصفية وحظر المكالمات الاحتيالية:
تقوم شبكات الاتصالات الكبرى بدمج تقنيات تصفية المكالمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي داخل أنظمتها، مثل:
• Call Protect
• Scam Shield
• Call Filter
وهذه الخدمات تُساعد على حظر المكالمات الاحتيالية الخطرة قبل أن تصل للمستخدم.
3. التحقق من مصدر المكالمات – STIR/SHAKEN:
في الولايات المتحدة، تُستخدم هذه البنية التحتية لتشفير هوية المكالمات والتحقق من شرعيتها. وهو ما يمنع انتحال هوية أرقام المتصلين ويكشف التزوير.
4. القياسات الحيوية الصوتية (Voice Biometrics):
• تعتمد على تحليل أكثر من 1000 خاصية صوتية فريدة للتأكد من هوية المتصل.
• تُستخدم من قبل بعض البنوك وشركات الاتصالات الكبرى للكشف عن استخدام الأصوات المزيفة.
• تُعد خط الدفاع الأخير في منع عمليات الاحتيال القائمة على انتحال الهوية.
التوعية الرقمية… حائط الصد الأول:
التكنولوجيا وحدها لا تكفي. إذ تُعد التوعية المجتمعية عاملاً حاسمًا في تقليل ضحايا هذه الهجمات. وتشمل محاور التوعية الأساسية:
1. عدم الوثوق بأي مكالمة طارئة أو عاطفية بشكل مفرط، خصوصًا إذا طُلب المال أو البيانات الشخصية.
2. التوعية بعدم نشر تسجيلات صوتية أو فيديوهات شخصية على الإنترنت، لأن المحتالين قد يستخدمونها لاستنساخ الصوت.
3. تشجيع الأفراد على التحقق من المكالمات المشبوهة من خلال قنوات رسمية أو بالاتصال مباشرةً بأطرافهم الحقيقية.
4. رفع وعي الشركات والمؤسسات بأهمية حماية بيانات العملاء والموظفين، وعدم تجاهل أهمية المصادقة متعددة العوامل.
نحن أمام مرحلة جديدة من الاحتيال لا تعتمد فقط على الذكاء البشري، بل يقودها ذكاء اصطناعي متطور يستغل الثغرات التكنولوجية والنفسية معًا. في المقابل، بدأت شركات الاتصالات والمؤسسات الأمنية بتسخير نفس التقنية لمواجهة هذه التهديدات، لكن يبقى وعي الأفراد والتحديث المستمر للحلول التقنية أساسًا في حماية المجتمع من “الاحتيال المُقنّع بالصوت”.

























