بقلم دكتورة / سماح باقي
تستمر العلاقات بين الهند وباكستان في التأرجح بين فترات من الهدوء النسبي تارة، وأخرى تتسم بالتصعيد والتوتر المستمرين تارة أخرى. فكلما بدا أن الأمور قد تمضي نحو الاستقرار، تشتعل الحدود فجأة وتتصاعد لغة التهديد بشكل سريع، ليصبح المشهد برمته وكأنه على حافة الهاوية. ومع ذلك، تبقى الآثار الاقتصادية لهذا النزاع المزمن أقل وضوحًا للعامة، على الرغم من عمق تأثيراتها السلبية التي تطال ليس فقط الدولتين المعنيتين، بل منطقة جنوب آسيا بأكملها، وربنا العالم بأسره.
العلاقات التجارية… رهن التوترات السياسية
بدأ المشهد الاقتصادي بين البلدين بالتدهور السريع منذ أن ألغت الهند الوضع الخاص لإقليم كشمير في شهر أغسطس عام 2019. وقد أدى هذا القرار إلى ردود فعل حادة من الجانب الباكستاني، الذي قرر تعليق كافة الروابط التجارية مع جارته الشرقية. وعليه، اختفى التعاون الاقتصادي في مجالات كانت تزدهر فيها التبادلات التجارية بين البلدين، خاصة المنتجات الزراعية والمنسوجات، مما حرم الطرفين من فرص اقتصادية قد تكون واعدة. ولكن الأثر لم يتوقف عند هذا الحد، فالتوترات القائمة جعلت إمكانية استئناف التعاون التجاري أمرًا بعيد المنال في الوقت الراهن.
رأس المال والاستثمار يهربان بحثًا عن الاستقرار
النزاعات المتكررة بين الهند وباكستان خلقت بيئة غير مستقرة تنفر المستثمرين الأجانب بشكل كبير. فالمستثمر الأجنبي يميل بطبيعة الحال إلى البحث عن ملاذ آمن ومستقر لضخ أمواله، لكن سرعان ما تتبدد هذه الثقة مع كل خطاب ناري أو توتر على حدود البلدين. ولا يقتصر التأثير هنا على تراجع الاستثمارات القائمة بالفعل؛ بل يمتد أيضًا إلى تعطيل مشاريع كبرى قد تُفضل الانتقال إلى وجهات أقل تقلبًا وأكثر أمنًا. هذه الخسائر لا تتعلق بالأرقام فقط، بل ترتبط بمستقبل اقتصادي كان من الممكن استغلاله لتحقيق نهضة شاملة لكلا البلدين.
التسيلح على حساب التنمية ….
يشهد الإنفاق العسكري في كلا البلدين تسارعًا يجعل منهما من بين أعلى الدول النامية استثمارًا في التسلّح. تُخصص الهند وحدها أكثر من 70 مليار دولار سنويًا لميزانية الدفاع كونها أحد أكبر مستوردي الأسلحة في العالم. وعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية المستمرة في باكستان، فإنها لا تزال تنفق نسبة كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي على المجال العسكري. هذه الميزانيات الضخمة تُقتطع مباشرة من قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، مما يؤدي إلى تفاقم التحديات التنموية التي تواجه البلدين بدلًا من معالجتها،
السياحة… قطاع جريح يحلم بالسلام
تُعتبر كشمير بجمالها الطبيعي الخلاب واحدة من أكثر المناطق التي كان يُمكن لها أن تصبح وجهة سياحية عالمية تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. لكن، مع الأسف، تحولت هذه المنطقة المميزة إلى أرض مغلقة تغلب عليها المظاهر العسكرية بسبب التوترات المستمرة. السياحة هنا تدفع ثمن هذا الصراع؛ إذ تُلغى الحجوزات الفندقية وتتعطل الأنشطة السياحية بشكل شبه كامل مع كل تصعيد جديد، مما يترك العديد من الأسر المحلية دون مصدر رزق مستقر. لقد تحوّلت الوجهة التي كان بإمكانها أن تكون رمزًا للسلام والتنوع الثقافي إلى مثالٍ حيٍ لمعاناة الاقتصاد في ظل النزاعات السياسية.
أمن المنطقة في مهب الريح
تداعيات الصراع بين الهند وباكستان لا تقتصر على حدودهما فقط؛ بل تحمل تأثيرات مباشرة وعميقة على منطقة جنوب آسيا بكاملها. فغياب الاستقرار يعيق المشاريع الإقليمية الكبرى، خصوصًا تلك المرتبطة بشبكات الطاقة والبنية التحتية والتبادل التجاري العابر للحدود. والنتيجة هي إضعاف القدرات التنافسية للمنطقة مقارنة بمناطق أخرى حول العالم نجحت في خلق بيئة مشتركة تعزز من فرص النمو.
بوادر الأمل بالرغم من المصاعب…..
وسط كل هذا المشهد القاتم، يبقى هناك بصيص من الأمل قائمًا في إرادة الشعوب التي تسعى بصدق إلى بناء مستقبل أفضل يسوده السلام والازدهار. مستقبل اقتصادي قوي لا يبنى على جبهات الحروب، بل على جسور من التعاون …فالحدود قد تشتعل .. لكن لا يجب أن يترك الاقتصاد يحترق

























