كتبت الدكتورة / سماح باقى
في ظل التغيرات والتأثيرات العالمية المتلاحقة و المتسارعة، يبدو ان مصر تسير بخطى ثابتة باتجاه بناء شراكات استراتيجية لتعزيز قدراتها الاقتصادية والتنموية، وفي هذا السياق يطل اللقاء الأخير بين *وزيرة التنمية المحلية، الدكتورة منال عوض*، وسفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، *أنجلينا إيخهورست*برأسه كخطوة بارزة ضمن هذا الاتجاه، ليس فقط بوصفه اجتماعًا تنسيقيًا، بل كنوع من الترجمة الفعلية لرؤية مصر لتوظيف التعاون الدولي كرافعة اقتصادية مستدامة*.
*الخروج من نفق المساعدات إلى جسر الشراكات الاستثمارية*
ربما يمثل هذا اللقاء تحوّلًا نوعيًا في العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، إذ لم يعد يُنظر إلى التمويل الأوروبي باعتباره “مساعدات”، بل *استثمارات تنموية طويلة الأجل*، تُدار بعقلية اقتصادية تهدف إلى تحقيق العائد المجتمعي والبيئي معًا.
ويعكس هذا التحول رؤية جديدة تُقدّم مصر فيها نفسها كشريك موثوق، يمتلك *مشروعات ذات أولوية عالية ورؤيةقابلية للتنفيذ والاستدامة* ، مما يعزز ثقة الاتحاد الأوروبي في ضخ المزيد من التمويل والتقنيات في الاستثمارات المصرية
*الطاقة الخضراء قاطرة التنمية.. بوابة لمستقبل اقتصادي أكثر استدامة*
أحد أهم المحاور التي لفتت نظري في هذا اللقاء كان التركيز على *مشروعات الطاقة المتجددة*، والتي مم بينها:
* إنشاء وحدات *الغاز الحيوي (Biogas)* في المجازر الحكومية
* تحويل جراچات النقل العام للعمل *بالطاقة الشمسية**
هذا التوجه الذي يُعد استثمارًا ذكيًا في المستقبل، يمكنه المساهمة في العديد من الأمور منها:
* تقليل الكلفة التشغيلية على المدى الطويل
* *خفض الانبعاثات وتحسين جودة البيئة، ودعم التزام مصر بالاتفاقيات الدولية في هذا الإطار
* جذب التمويل الدولي في مجال الاقتصاد الأخضر.
ولعل هذه الخطوة بمثابة **فرصة ذهبية لمصر** لتعزيز مكانتها في الأسواق الدولية كمركز إقليمي للطاقة النظيفة.
*مبادرة “حياة كريمة”.. من مجرد تحسين في الخدمات إلى الاستثمار في المسؤولية الإجتماعية*
إن الاهتمام الأوروبي المتزايد بمبادرة “حياة كريمة” يعكس فهما عميقا للدور الحقيقي الذي تقدمه، فهي ليست مجرد مشروع لتحسين الخدمات، بل **نموذج اقتصادي متكامل للاستثمار في رأس المال البشري*.
وتستهدف المبادرة:
* رفع جودة الحياة في القرى الأكثر احتياجًا
* تعزيز *المرونة الغذائية* لدى الأسر
* خلق فرص عمل مستدامة
وبذلك، تصبح “حياة كريمة” *بيئة جاذبة للاستثمار المجتمعي الأوروبي* في مشروعات صغيرة ومتوسطة، تُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
*التمكين الاقتصادي.. رهان جديد على رأس المال المحلي*
استوقفني أن إحدى أبرز النقاط التي طُرحت خلال الاجتماع كانت دعم **التمكين الاقتصادي للشباب والمرأة**، خاصة في صعيد مصر.
هذا التوجه الذي يمثل *استثمارا مباشرًا في القوى العاملة المحلية*، يمكنه ان يسهم في:
* تقليل نسب البطالة
* تشجيع ريادة الأعمال
* خلق أنشطة إنتاجية في المناطق الريفية
ما يعزز *استقرار المجتمع المحلي* وتخفيف الضغط على المراكز الحضرية، هذا الذي دفعني للاعتقاد بأن هذا المحور من *أكثر جوانب الشراكة تأثيرًا على المدى الطويل.*
*السياحة الدينية.. مدخل للاقتصاد من بوابة التاريخ*
من المحاور الجديدة المطروحة: **تطوير مسار العائلة المقدسة** كوجهة سياحية عالمية، وهو مشروع اقتصادي بامتياز، من شأنه أن يعزز من:
* جذب السياح من ذوي الإنفاق المرتفع
٠ توطين و تنشيط الصناعات المحلية حول المسار
* إحياء التراث الديني والهوية الثقافية لمصر عالميًا
ربما أكون متفائلا بهذا المشروع الذي آمل أن يضع مصر على خريطة *السياحة الدينية المستدامة*، ويفتح آفاقًا لشراكات تمويلية مع الاتحاد الأوروبي في مجالات الاقتصاد البنفسجي.
*مصر تصوغ نموذجًا جديدًا للتنمية بالشراكة الذكية*
ما يجري اليوم هو أكثر من مجرد تنسيق بين دولتين، بل هو **نموذج جديد للتعاون الدولي*، تنقل فيه مصر علاقاتها من دائرة الدعم الضيقة إلى *الفضاء الرحب للشراكة المبنية على المصلحة المتبادلة والتنمية المستدامة*.
وإذا استمرت مصر في هذا الاتجاه الذكي، فربما نشهد في الأعوام القادمة تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة النظيفة ونمو في الاقتصاد المحلي المدفوع بالمجتمعات الريفية وتحقيق مستهدفات *رؤية مصر 2030* بشكل واقعي وملموس .
ولكن لا يمنعني التفاؤل في التحليل الاقتصادي لهذا الأمر من إلقاء الضوء على بعض من تحدياته التي يجب النظر إليها بعين الاعتبار ومنها:
1. *الاعتماد المتزايد على التمويل الخارجي*
رغم تحول النظرة تجاه التمويل الأوروبي من كونه “مساعدات” إلى “استثمارات تنموية”، إلا أن الاعتماد المتزايد على التمويل الخارجي ربما يُعرّض الاقتصاد المصري لمخاطر عدة في ضوء التقلبات السياسية والاقتصادية على مستوى الاتحاد الأوروبي، و ارتباط بعض التمويلات بشروط قد لا تتماشى دائمًا مع الأولويات الوطنية.
ومن التحديات الكبيرة التي تشغل بال كل مصري تحدي الحفاظ على استقلالية القرار التنموي في ظل شراكات تمويلية ربما تحمل في طياتها أبعادًا سياسية؟
*فجوة التنفيذ المؤسسي*
رغم وضوح الرؤية الاستراتيجية في الوثائق والمشروعات، إلا أن هناك تحديًا كبيرًا يتعلق بقدرة الأجهزة المحلية على التنفيذ الفعّال،ربما يرجع ذلك لضعف البنية الإدارية والتنظيمية في بعض المناطق،وتفشي البيروقراطية، وأحيانًا الفساد المؤسسي، مما يبطئ حركة المشروعات.
*ارتفاع تكلفة التحول إلى الطاقة المتجددة*
الاستثمار في مشروعات الطاقة النظيفة خطوة نحو المستقبل، لكنيتطلب ذلك تمويلًا أوليًا ضخمًا، وهو ما قد يُثقل كاهل الموازنات العامة.
> جاهزية السوق المصري لاحتضان هذا التحول بشكل واسع ايضا يحتاج إلى مراحل تدريجية مدروسة
ومن التحديات كذلك ضعف منظومة التسويق السياحي
فمشروع مسار العائلة المقدسة يُعد فرصة كبيرة حقا ، لكنه ربما يواجه عدة معوقات تتعلق بضعف الترويج العالمي لمصر كوجهة سياحة دينية متخصصة، و غياب التكامل بين البنية التحتية السياحية وخدمات الضيافة الحديثة ليأخذنا ذلك إلى التحدٍّ التنافسي وقدرة مصر على منافسة وجهات عالمية تمتلك بنى سياحية وتسويقية أكثر تقدمًا؟
ومن القصور الفارهة إلى قصور أدوات التمكين الاقتصادي ربما نجد أنفسنا امام تحد ضخم خاص بتمكين الشباب والمرأة، خصوصًا في صعيد مصر، حيث لا تزال برامج التمويل والتدريب المتاحة محدودة وغير منتشرة بما يكفي، كما أن هناك فجوة واضحة بين المهارات التي يمتلكها الشباب واحتياجات السوق.
كما نحتاج ابضا إلى ضمانات لتحقيق الاستدامة المؤسسية حيث تعتمد الكثير من المبادرات الحالية على الشراكة والتمويل الأوروبي، لكن السؤال الأهم هو هل ستستمر هذه المبادرات بعد انتهاء التمويل؟ و هل تم إنشاء آليات مؤسسية تضمن استدامة البرامج والمشروعات؟
وخلاصة القول أنه على الرغم مما تحمله الشراكة الذكية من فرص واعدة، إلا أن تحقيق الأهداف المرجوة يتطلب الاهتمام بتطوير عدة ملفات على التوازي ريما من أهمها:
* تطوير أدوات الحوكمة الرشيدة.
* تحسين كفاءة التنفيذ المحلي.
* تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري والإداري.
* التأكد من جاهزية البنية التحتية لاستقبال التحول المنشود.
فالشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي لخدمة المحليات قد تكون نقطة انطلاق نحو نموذج تنموي جديد، ولكن نجاح هذا النموذج يتوقف على القدرة على إدارة التحديات بواقعية واحترافية، لكني متفائلة بأننا نستطيع تحقيق ذلك، وربما ننظر من المستقبل قريبا على تلك المبادرة باعتبارها خطوة غيرت مسار الشراكات المصرية…..وإلى لقاء قريب بثوب جديد.

























