كتب دكتور/ باسم فضل
مدير إدارة نظم المعلومات الجغرافية والحوكمة بوزارة الري
نائب المنسق العام لمؤسسة القادة للعلوم الادارية والتنمية
محافظة الغربية
الخيانة في الاتحاد السوفيتي وروسيا: وجوه تتغير والخطر واحد
في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، لم تكن الانقسامات ناتجة فقط عن عوامل اقتصادية وسياسية، بل لعبت الخيانة دورًا جوهريًا في تفكيك تلك الإمبراطورية الحمراء. الخيانة لم تكن بالضرورة طلقة في الرأس أو مؤامرة خفية؛ بل تمثلت في تسريبات معلومات، تفاهمات مع الغرب، وتفكك الولاء للمشروع السوفيتي.
اليوم، وفي ظل الصراع الروسي الأوكراني، تعود كلمة “الخيانة” لتتردد بقوة داخل الأروقة الروسية. فأجهزة الاستخبارات الروسية (FSB) تعلن بين حين وآخر عن تفكيك شبكات تجسس، وتسريب خطط عسكرية، وتعاون داخلي مع “العدو” الأوكراني والغربي.
فما الذي يحدث؟ ولماذا كثرت الخيانات؟ وهل روسيا تسير في طريق الانهيار أم على أعتاب الرد والعودة؟
أسباب كثرة الخونة في روسيا المعاصرة
1. الانفتاح على الغرب ثم الصدمة:
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، حاولت روسيا أن تعتنق النموذج الرأسمالي والديمقراطي الغربي، لكن ذلك الانفتاح لم يأتِ بتطور حقيقي بقدر ما كشف هشاشة الداخل الروسي، ما خلق جيلًا مشوشًا في ولائه بين “روسيا الأم” و”الغرب المتقدم”.
2. الفساد وفقدان الثقة:
حين يشعر المواطن أو المسؤول بأن الدولة لا تمثله ولا تحمي مصالحه، يبدأ في البحث عن خلاص فردي، حتى وإن كان ذلك عبر خيانة بلده.
3. القبضة الأمنية المبالغ فيها:
في paradox سياسي، كلما زادت القبضة الأمنية، زادت احتمالات الخيانة. فالملاحقة والقمع لا تخلق ولاءً، بل تنتج تمردًا صامتًا يتحول في الأزمات إلى خيانة معلنة.
4. الحرب الأوكرانية كمرآة للأزمات:
الحرب في أوكرانيا فضحت ضعف البنية الاستخباراتية واللوجستية الروسية، وأظهرت أن هناك من يعمل من الداخل لصالح كييف أو الغرب، سواء بدوافع سياسية أو مالية أو حتى انتقامية.
هل انتهت روسيا؟ أم أن الرد قادم؟
الحديث عن “نهاية روسيا” فيه الكثير من المبالغة. روسيا ليست دولة عادية؛ إنها قوة نووية، ذات موارد طبيعية هائلة، وعمق جيوسياسي كبير. لكنها تواجه الآن لحظة تاريخية فارقة تشبه لحظة 1989 قبل انهيار الاتحاد السوفيتي.
لكن هناك ثلاث سيناريوهات ممكنة:
1. الاستنزاف التدريجي (كما في أفغانستان سابقًا):
الغرب يسعى لاستنزاف روسيا في أوكرانيا دون تدخل مباشر، مما يجعل الحرب عبئًا طويل الأمد على موسكو.
2. رد روسي خاطف وحاسم:
قد تسعى موسكو إلى هجوم نوعي يغير ميزان المعركة، خاصة بعد دخول أسلحة متطورة من الغرب لأوكرانيا، مثل صواريخ ATACMS وطائرات F-16.
3. تفاهمات كبرى خلف الكواليس:
إذا أدركت روسيا أن الصراع قد يمتد لعشر سنوات أو أكثر، فقد تلجأ إلى تسوية تحفظ ماء وجهها، وتمنحها فرصة لترتيب الداخل.
الخيانة ليست مرضًا روسيًا فقط، بل هي داء يظهر في لحظات التشظي والضعف. ما يحدث في روسيا اليوم هو انعكاس لحالة داخلية غير مستقرة تُستغل خارجيًا. لكن لا يمكن الجزم بنهاية روسيا، ولا باقتراب انتصارها. فالمعادلة معقدة، والتاريخ يثبت أن الكبار لا يسقطون فجأة، بل يتآكلون تدريجيًا حتى تأتي لحظة الانفجار… أو الانبعاث.
























