أصدرت دار الإفتاء المصرية عددًا خاصًّا من مجلة “Insight” التي أطلقتها الدار منذ عام للرد على مجلة “دابق” التي يصدرها تنظم “داعش” الإرهابي باللغة الإنجليزية؛ ردًّا على التفجير الإرهابي في محيط كنيستَي طنطا والإسكندرية، وراح ضحيتها العشرات من المصريين.
وافتُتح العدد الذي صدر بعنوان: “جرائم الإرهابيين ضد المواطنين المسيحيين” باستعراض لجرائم التنظيمات الإرهابية ضد غير المسلمين، وخاصة المسيحيين، في مصر وليبيا والعراق وسوريا وكينيا، مِن قتل وحرق وتهجير وهدم لدور العبادة. ثم ذكرت الافتتاحية العهد والقواعد التي وضعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لضمان حقوق المسيحيين والأقليات الدينية وحماية دور عبادتهم.
وبعنوان “أيديولوجية الكراهية ضد الأقليات الدينية” جاء بحث مهم تحدث عن كيفية استخدام الجماعات الإرهابية ستار الدين لتغطية أعمالهم الإجرامية المتطرفة العنيفة على نحو صارخ تجاه غير المسلمين، وهو ما يكشف عن منطقها المشوه ومصادرها المزيفة التي تستقي منها هذا الفكر من أجل شرعنة جرائمها ضد الأقليات الدينية.
وأضاف البحث أن الإرهابيين يعتبرون أن غير المسلمين أعداءً للإسلام؛ وبالتالي فإن لديهم خيارين فقط، هما: إما تبنِّي الإسلام الذي يدعيه المتطرفون وإما أن تقطع رءوسهم، وهو فكر سقيم ومتناقض بشكل كبير مع روح الإسلام الذي يصف المسيحيين بأنهم “أهل الكتاب” وبيَّن أن لهم احترامًا، فضلًا عن أن الشريع الإسلامي يحظر بشكل صريح تدمير أو الاعتداء على دور عبادتهم بما في ذلك الكنائس، ويأمر المسلمين بأن يكونوا منصفين لهم ما داموا مسالمين.
واستعرض العدد الجديد من المجلة في مقال “أمثلة ساطعة من التعاليم الإسلامية المسيحية” تلك الأمثلة التي تدل على مدى التعايش والاندماج المثمر الإيجابي بين المسلمين والمسيحيين على مر التاريخ، والتي كان أولها في هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة، التي كان يحكمها ملك مسيحي، وصفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه «ملك عادل لا يظلم عنده أحد» (مسند أحمد).
وهناك رحَّب بالمسلمين وحماهم وعاشوا في سلام مع مسيحيي الحبشة، وحينها حاول كفار قريش أن يوقعوا بينهما، فادعوا أن الإسلام يسبُّ سيدنا عيسى المسيح، ولكن الملك العادل استمع إلى الصحابي جعفر بن أبي طالب الذي بيَّن له الحقيقة، فقال النجاشي: “إن هذا الكلام لا يخرج إلا من مشكاة واحدة”، وتعهد بحمايتهم.
وذكر المقال كذلك المواقف الإنسانية التي قام بها صلاح الدين الأيوبي بعد أن حرر القدس من يد الصليبيين المتطرفين، حيث حرص على أن يعيش المسلمين والمسيحيون معًا في سلام وأمان وانسجام.
واستعرض المقال كذلك العهدة العمرية التي كتبها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أهل إلياء، والتي قال فيها: “بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبدُ الله عمرُ أميرُ المؤمنين أهلَ إيلياء من الأمان؛ أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها: أنه لا تُسكَنُ كنائسُهم ولا تُهدَمُ ولا يُنتَقَصُ منها ولا مِن حَيِّزها ولا من صَلِيبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضَارَّ أحد منهم … وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين ما دفعوا ما فرض عليهم من جزية [الضريبة]. شهد على ذلك: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب وحضر سنة خمس عشرة”.
وذكر المقال كذلك تعليق عدد من المستشرقين على ذلك، ومن بينهم المستشرق الفرنسي إميل ديرمنجن الذي كتب: “إن القرآن الكريم وسنَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مليئة بأوامر تحث على التسامح، وقد التزم المسلمون في وقت مبكر بهذه التعاليم في جميع الفتوحات”.