مَرْحَبَاً مُجَدَداً ..إنَّهَا الثَالِثَة صَبَاحَاً والهُدُوء يعُم المَكان ..فِي بَلَدٍ أصْبَح يَخْتَلطُ فيْهِ الحَقَ بِالبَاطل .. فِي بلدٍ ضَاعَتْ فِيه المَعَانِي!
– يَتَكأ صَاحِبُنا عَلي أَريكَتهُ نَاظِراً إلي الفَضَاء الوَاسِع وَتلْك السَماء المُمتلئَة بالنُجوم التِي تَنْتشِر فِي كُلِ رُبُوعِها .. يُحاوِل أنْ يَسْتجدي ذاكِرتَه بكُل تَفَاصِيلها دَاخِل قَوقَعتِه يضِيع !.. يُحِب كَونَه تائِهٌ عَلي الدَوام..ضَائع لا أحَد يَجِده -ذَلك مَا يَراهٌ فِي نَفْسِه- يُعَمِر جِداراً من الصَمتْ الرَهِيب! .. فَقَط ليبْدُو بَعِيداً عَنهُم وَيكُف نَفسَه شَرِهم! .. ولكِّنه لا يسْتطِيع أن يكُف نفْسَه مِن شَر نَفسِه! .. يُحَاوِل تَرتِيبَ الأفْكَار الضَّائِعة وتَرتِيبَها ووَضْعِها فِي تَسَلسُلِها الصَحِيح .. يَجُول بِخَاطره وَهُو يَنظُر إلي تِلكَ السَمَاء “كَيْفَ لِهَذَا الفَنَاءَ الأبَدي ، العَدَمِيّة والْلَا مَعْنَي ! .. أنْ تَلمِس الجِدَارَ ولا يُشَكِل لَك فَارقِاً بَينَه وَبَين قَسْوة رُوحِكَ! .. والهَواء يبْدُو مُشابهاً جداً لِعَدَمِيَّتَكْ .. والركْضُ والسَعي كَذْبَة أبَدِية..
: فَأنْتَ لَا تُؤمِن بال “لا” أو ال “نعم” إذ أنَّ كُل الأشْيَاء لَم تعُد تَحِمل مَعنَي بِالنِسْبَة لَك ! .. تُحَاوِل الآن كَفَ فِكرِك عَن تِلك الثَرثَرة .. تُحَاول جَاهداً الهُروب كَما فَعلْت طُوال يَومِك! .. ولكِنك لَم تَهرَب إنَك فَقط نِمْت .. نِمتَ طَويلاً يا صَديقِي وَكنت تَظُن أنَك بِذلك قَد انْتَصَرت عَليهَا! .. هُروبِك الدَائم يجْعلُك تتَمني لَو أنَّ كُل لَحظَة تَكُون هِي آخرُ لَحْظة! .. تَخرُج كَلمَاتُك بِصُعوبة وَلا تَستَطيع الإسْتمرَار .. عَقلك مَلئ بالأفكَار والأسْئلة التي لا تَستطيع الإجَابة عَليها ..مَاذَا سَتَفَعل الآن! .. و مَاذَا بَعد الآن! .. وَ كَيف يكُون يَومُك عِندمَا تَستَيقِظ.. وَلكِنكَ ينْتهِي بِكَ المَطَافْ إلي تِلك الإجَابة ..
-‘وأمَا عَن يَومي فَسَيكون باللحَاق خَلف تِلك المَهام التي سَتُؤجل حَتماً إلي الغَد’ ..
:دائماً مَا تَهرب يَا صدِيقي!.. و دَائماً مَا تُؤمِن بِأن خَيار الاسْتمرار بِالعَيش يَبدُو سَطحِياً لَا لِصَالح نَفسَك! .. بلْ لأن الخَلاص مِنها لا يبْدو مُتاحاً للجَميع! .. يَا صَديقِي دائماً مَا تَختبئ خَلف نُون الجَماعة ..
:أَرَاك دائماً تَخَاف أنْ يَحْملك ضَميرُ المُتَكَلم إلي عَواقِب وَخِيمَة .. يَا صَدِيْقِي مَازِلْتَ تُؤمِنُ بِالهَرَب!:”