بقلم / د .محمد الصوفي
العنوان الرئيسي لاجتماع قمة “بريكس” في نسختها ال 16 بمدينة “قازان” عاصمة “جمهورية تترستان” الروسية شرق موسكو في وسط تطلعات لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول المجموعة بما يحميها من التحديات التي تواجهها وسط انفتاح على زيادة عدد دول التكتل بعد أن زاد إلى 10 دول خلال السنة الحالية بعد أن كان 5 فقط.
تأسيس بريكس ومراحل حاسمة في تطورها:
تأسست هذه المجموعة رسميا في 16 يونيو عام 2009 في “يكاترينبورج” في روسيا، حين عقدت أول قمة بين زعماء روسيا والصين والبرازيل والهند، وسبق ذلك اجتماع تمهيدي لأعضائها في يوليو 2008، وقبله اجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع في سبتمبر 2006 على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، حملت المجموعة في بدايتها اسم “بريك” (BRIC) اختصارا للأحرف الأبجدية الأولى باللغة اللاتينية لكل من البرازيل وروسيا والهند والصين، كما صاغها كبير مستشاري بنك غولدمان ساكس “جيم أونيل” في عام 2001 في بحثه عن الاقتصادات الناشئة. وفي سنة 2010 انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة لتصبح “بريكس” (BRICS) ويقع مقرها في مدينة شنجهاي الصينية.
وفي عام 2017 وخلال عقد في مدينة شيامين الصينية، طرحت فكرة “بريكس بلس” (BRICS plus) التي تهدف إلى إضافة دول جديدة إلى المجموعة كضيفة بصورة دائمة أو مشاركة في الحوار.
ومع عودة “لولا دا سيلفا” إلى رئاسة البرازيل عام 2022، وتولي “ديلما روسيف” رئاسة بنك التنمية الجديد للمجموعة، تجتهد “بريكس” لتقديم نفسها على أنها تمثل دول الجنوب، وعلى أنها النموذج البديل عن مجموعة السبع، على أساس أن معظم دولها تصنَّف كدول نامية أو ناشئة، ومنذ يناير 2024، انضمت 5 دول رسميا إلى تكتل بريكس، وهي مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا، فأصبح التكتل يضم 10 دول.
أهداف مجموعة بريكس:
تغلب على أهداف البريكس أهداف اقتصادية وتنموية بالدرجة الأولى، لكن ذلك لا يخفي رغبة سياسية في تحقيق عالم متعدد الأقطاب، وهوماتم التأكيد عليه في تصريحات قادة دول التجمع، لاسيما الرئيس البرازيلي اليساري “لولا دا سيلفا” والمسؤولين الروس.
ويمكن تلخيص أهداف مجموعة بريكس في تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام من خلال مكافحة الفقر وتعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي وتحسين نوعية النمو ، تعزيز التنمية الاقتصادية المبتكرة والقائمة على التكنولوجيا المتقدمة ، زيادة المشاركة والتعاون مع البلدان غير الأعضاء في المجموعة ، تعزيز الأمن والسلام لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي ، إصلاح المؤسسات المالية الدولية لتمثيل أفضل للاقتصادات الناشئة والنامية ، تعزيز التجارة الدولية وبيئة الاستثمار بين دول المجموعة ، الحفاظ على استقرار النظم التجارية متعددة الأطراف بالتعاون مع المجتمع الدولي ، تحقيق التكامل الاقتصادي للدول الأعضاء ، تحقيق التوازن الدولي والخروج من سيطرة الغرب الاقتصادية ، دعم السلام وتحقيق التنمية في العالم ، تعديل قواعد العولمة لتستفيد منها كل دول العالم ، تفعيل وتبادل العملات المحلية بين دول المجموعة، العمل على إنشاء سوق مشتركة للتجارة الحرة وعملة موحدة ، محاولة الخروج من اشتراطات صندوق النقد الدولي المجحفة ، ومواجهة الأزمات العالمية وتنويع الشراكات.
تحديات وفرص عديدة لمجموعة بريكس:
ما يحدث في اجواء الاقتصاد العالمي الان لا يختلف كثيرا عن اجواء انعقاد هذه القمة خلال العام الماضي في “جنوب افريقيا”، ولكن الجديد في قمة روسيا هذا العام هو ما تم اعتماده من الولايات المتحدة بخفض الفائدة وتوقعات الماليين والاقتصاديون بتيسيرات نقدية اكثر مرونة، الي جانب انخفاض عالمي في اسعار النفط خلال الاشهر الماضية وان كانت ارتفعت بصورة طفيفة خلال الاسبوعيين الماضيين نتيجة حرب اسرائيل علي غزة ولبنان والتداعيات المحتملة لضرب ايران.
وبملاحظة المشهد العالمي نري ان من يقود الجانب الاعلامي لهذه المجموعة حاليا هو الاعلام الروسي، علي الرغم من عدم الاخذ في الاعتبار ان الهند الموجودة بالقمة ليس لديها اي خلافات سواء اقتصادية او سياسية مع الولايات المتحدة الامريكية، وايضا البرازيل التي صرحت خلال انعقاد القمة بجنوب افريقيا انها تحاول تخفبف حدة اللهجة التي تنتهجها روسيا كما صرحت ايضا ان الهدف من هذه القمة فقط هو تنظيم ما يسمي “الجنوب العالمي” وليس تحدي التحالفات الدولية الاخري مثل مجموعة السبع او مجموعة العشرين ولا تحدي للولايات المتحدة الامريكية.
وبمقارنة لغة خطاب الجانب الروسي والبرازيلي نجد تضاد واختلاف تام علي الرغم من توافقهما في تبني نفس مطالب ضرورة وجود عملة موحدة لبريكس وأوضاع اقتصادية عالمية أكثر إنصافا للدول الصاعدة والنامية.
وبالنظر الدقيق لدول التجمع نجد تحدي اخر يواجه هذه القمة وهو ضم خليط من مستويات اقتصادية متفاوتة، فنجد الصين التي توجد في مقدمة اقتصاديات دول المجموعة بفارق كبير حيث الناتج المحلي اكثر من 17.7 تريليون دولار، في حين وجود دول اخري مثل إثيوبيا افقر دول التجمع بناتج محلي 17.7 مليار دولار فقط ،وإيران ذات الاقتصاد المتواضع.
ولكن علي الطرف الاخر تسيطر المجموعة بعد انضمام السعودية والإمارات وإيران على 80% من إنتاج النفط العالمي، وعلى 38% من إنتاج الغاز و67% من إنتاج الفحم في السوق العالمية. كما تتحكم مجموعة بريكس في أكثر من 50% من احتياطي الذهب والعملات، وتنتج أكثر من 30% مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات بقيادة الصين والهند.
ان مصربانضمامها إلى البريكس للمرة الاولي يعد خطوة تاريخية نحو بناء علاقات اقتصادية قوية مع الدول الأعضاء في التجمع، وعلى رأسهم روسيا والصين، والتي تفتح آفاقًا جديدة للتعاون المشترك في مجالات التكنولوجيا والابتكار والتنمية الصناعية، مما يدعم الاقتصاد المصري ويعزز موقعه كواحد من الأسواق الواعدة في القارة الأفريقية.
رغم كل هذا من الفرص والتحديات لاعضاء هذه المجموعة : هل تنجح دول المجموعة في تحقيق اهداف هذه القمة؟ هل تنجح دول المجموعة في الوصول الي اتفاقيات منظمة للتجارة البينية لاعضاء التجمع؟ هل تنجح دول المجموعة في وجود برامج تعمل علي تقوية الاوضاع الاقتصادية لاعضائها؟ هل تتبني قمة روسيا 2024 أمر بإصدار عملة موحدة لبريكس؟ هل تكشف لنا الايام القادمة عن أدوات وأوراق قوة يمكن أن يتحرك في إطارها أو يمتلكها تجمّع بريكس ؟
لكل شيء ثمن، وإن كانت الأمور فيما يتعلق بالمال والاقتصاد ينبغي أن تأخذ في إطار الدراسة والقدرة على تحمل المخاطر.
ملفات ساخنة علي طاولة قمة مجموعة بريكس ، دعونا ننتظر لنري نتائج هذه القمة وما تم الاتفاق عليه ، فالعالم لا يحتاج الي مزيد من العلامات التجارية الرنانة.