الدكتور احمد اسماعيل يكتب* :
لا أجمِّل الصورة، ولا أُداهن الحقيقة، فحماس ليست ملائكة رحمة، وليست الملاذ الآمن للشعب الفلسطيني، بل هي فصيل تحكمه حسابات المصالح والولاءات، تقوده أجندات إقليمية، وتدعمه قوى خارجية لا تخفى على أحد، في مقدمتها إيران، التي جعلت من الفصائل الفلسطينية ورقة ضغط في صراعاتها الإقليمية. وليس خافياً أن حماس، في سعيها للتمكين والسيطرة على غزة، أسهمت في تعميق الانقسام الفلسطيني، حتى باتت الفرقة سلاحًا آخر بيد الاحتلال.
لقد كان لحماس نصيبٌ من شبهة دعم الإرهاب الذي أصاب مصر إبّان ما سُمِّي بـ”الربيع العربي”، وأخطأَت حينما انحرفت بندقيتها بعيدًا عن مسارها الطبيعي، فكانت جزءًا من الفوضى التي زادت المشهد تعقيدًا. لكن القدر شاء أن تكون هذه الحركة، بعد السابع من أكتوبر هي “العنوان الأبرز للمقاومة ضد الاحتلال”، فباتت تكتب بدمائها ودماء رجالها فصولًا جديدة في تاريخ الصراع، وتعيد القضية إلى صدارة المشهد الدولي بعد أن كادت تُطوى في زوايا النسيان.
إن الإشادة بحماس اليوم، كما بمختلف فصائل المقاومة، ليست تصديقًا على نهجها، ولا تأييدًا أعمى لسياساتها، وإنما هو إيمانٌ بمبدأ المقاومة في زمن الانبطاح، واعترافٌ بأن السلاح الذي يوجَّه إلى صدور المحتلين هو سلاح مشروع، بغض النظر عمّن يحمله. فإن كان الإخوان أو أي فصيل سياسي او ديني يومًا في طليعة الصفوف ضد العدو الخارجي، فالواجب حينها الاصطفاف مع المقاومة، تمامًا كما أن الواجب يقتضي الوقوف ضدهم إذا ما حادوا بالبندقية نحو الداخل كما فعلوا من قبل.
التوافق مع استمرارية المقاومة ضد الهيمنة الصهيوامريكية ليست إقرارًا بسياسات حماس، ولا تبجيلًا لأجنداتها، وإنما هو اعترافٌ بمبدأ المقاومة كأولوية استراتيجية ضد الاحتلال، في زمن أصبح فيه الكثيرون يتاجرون بالقضية الفلسطينية ويبيعونها في سوق السياسة الدولية. كنا باعها قادة حماس الذين كانوا يتصدرون المشهد طيلة السنوات الماضية من الفنادق المرفهة في مهجرهم.
كمواطن مصري عربي مهتم بكل ما يهم بلادي اولا وما يمثل لها أي تهديد، أقدّر دور حماس في حمل السلاح ضد الاحتلال وهو التهديد الاكبر والأذلي ضد بلادنا وشعوبنا، وتقدير بطولات حماس لا يعني أننا نتفق معها في كل قرار أو نهج، بل هو اعترافٌ وعرفان (بمبدأ المقاومة) الذي يظل الأولوية في ظل استسلام الكثيرين وانبطاحهم تحت وطأة التنازلات.
إن الاصطفاف خلف المقاومة التى مازالت تأخذ طابع الشعبية اكثر منها رسمية ليس دعمًا معنويا فرديا غير مشروط، بل هو اصطفاف من منطلق وضع مصلحة القضية الفلسطينية في المقام الأول لما تمثلة من قضية تاريخية ودينية وعقائدية وما يمثلة الاحتلال واطماعه التوسعية من تهديد لنا ولبلادنا ومستقبل ابنائنا،
يختلف من يختلف ويتفق من يتفق مع فصائل المقاومة بشتى مسمياتها، ولكن الاكيد أن علينا جميعا أن نتفق مع من يوجه سلاحه ضد العدو الخارجي، حتى وإن اختلفت الوسائل والطرق والتبعيات. وإذا ما تحولت بندقية المقاومة لتصبح نيرانا صديقة، كما فعلت – او نسب لها أنها فعلت – سابقًا، فحينها لن يكون هناك من خيار سوى الوقوف ضدها كل حسب ما أوتي من ادوات حتي وإن كلمات نسطرها لتناقل الافكار ومشاركة الرؤى، ولنا جميعا كل في محيطه ان نؤكد على مشروعية المقاومة ضد الاحتلال واستمراريتها، كما ان الفتن الداخلية ايضا تضر بالقضية، وتضعف من عزيمتها.
السياسة لا تعرف اللون الواحد، والمواقف والقناعات الشخصية لا تُبنى على العواطف، بل على المصلحة العليا، وحينما يكون العدو واضحًا جليًا، يكون الاصطفاف خلف من يقاتله ضرورةً لا خيارًا، حتى وإن اختلفت الرؤى وتشعبت المسارات.
مع حماس مادامت فوهات بنادقها موجهة في صدر العدو. ونتصدى بالفكر والكلمة وندعم التصدي لها اذا ما حادت عن هذا النهج.
حفظ الله بلادنا.
*كاتب المقال: رئيس اللجنة العامة للتخطيط والمتابعة وعضو الهيئة العليا بمؤسسة القادة للعلوم الإدارية والتنمية