الدكتور/ احمد إسماعيل* يكتب:
في مثل هذا اليوم الثالث من مارس من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للأحياء البرية، وهو مناسبة تستدعي التأمل في روعة التنوع الحيوي، ذلك الكنز الثمين الذي يشكل جوهر استدامة كوكبنا. وهو يوم تتجدد فيه الدعوة إلى صون الحياة البرية التي تشاركنا الأرض، وحماية مواردها التي لا تقدر بثمن، من خلال جهود علمية رصينة وسياسات مدروسة تحميها من التحديات المتزايدة.
مثل هذه المناسبة الدولية تجدد التأكيد على أن العلم هو الركيزة التي تُبنى عليها استراتيجيات الحفاظ على البيئة، فهو الذي يكشف لنا عن تعقيدات النظم البيئية، ويمنحنا الأدوات اللازمة لصونها. ومن هنا، تبرز أهمية المراكز البحثية المتخصصة حول العالم التي تجسد هذا الدور الحيوي، حيث تبنى على أسس علمية ترسم خططها الفعالة لتضمن استدامة الحياة البرية.
وقد أدركت المملكة العربية السعودية حفظها الله هذا الأمر بوضوح، فبادرت إلى تأسيس مراكز وطنية تُعنى بتنمية الحياة الفطرية وحماية تنوعها البيئي، ومن أبرزها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، الذي يعمل على حماية الأنواع وخاصة المهددة بالانقراض وإعادة توطينها، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، الذي يسعى إلى استعادة التوازن البيئي في المناطق المتدهورة، والمركز الوطني للوقاية من الآفات النباتية والأمراض الحيوانية ومكافحتها (وقاء)، الذي يعزز الأمن البيئي والزراعي من خلال الحفاظ على الثروات النباتية والحيوانية من مخاطر الآفات والأمراض، إضافةً إلى المركز الوطني لإدارة النفايات، الذي يكرس جهوده للحد من التلوث، والمركز الوطني لأبحاث وتطوير الزراعة المستدامة (استدامة)، الذي يعمل على إيجاد حلول مبتكرة لتحقيق التوازن بين الإنتاج الزراعي وحماية الموارد الطبيعية. كل هذه المراكز الوطنية تعمل على قدم وساق لتخدم جميعها اهداف روية التنمية المستدامة للملكة وتحت مظلة وزارة البيئة والمياه والزراعة سعياً إلى بناء مستقبل تتكامل فيه التنمية مع الاستدامة. وقد أدركت المملكة العربية السعودية، في إطار رؤيتها الطموحة 2030، أهمية الحفاظ على البيئة جنبًا إلى جنب مع تحقيق التنمية المستدامة، فسعت من خلال برنامج التحول الوطني والاستراتيجية الوطنية للزراعة إلى تطوير سياسات متكاملة تعزز هذا التوجه، وهو ما جعلها نموذجًا عالميًا يُحتذى به في تحقيق التوازن بين مختلف القطاعات.
كما أدرك صناع ومتخذي القرار بالمملكة أن نجاح الجهود البيئية لا يتحقق إلا من خلال تعاون وثيق بين القطاعين الحكومي والخاص، وهو ما لمسته خلال عملي خبيرًا ضمن فريق عمل شركة العقول المخططة للاستشارات الإدارية، إحدى الشركات الرائدة فى العمل الاستشاري بالمملكة، حيث تشرفت ضمن فريق عمل بالمشاركة في تنفيذ مشروع استشاري بالتعاون مع مركز “وقاء” بوزارة البيئة والمياه والزراعة، وقد أتاحت لي هذه التجربة فرصة متميزة لاكتشاف حجم العمل الاستراتيجي والتنفيذي الذي يقوم به مركز وقاء مع الاطلاع على بعض جهود المراكز الوطنية، ذلك العمل وتلك الجهود التي يتم فيها الجمع بين الخبرات العلمية والاهتمام بأفضل الممارسات العالمية في اطار من التخطيط الاستراتيجي المتكامل، بغية تحقيق أهداف التنمية المستدامة على أرض الواقع. ويعدّ ما انتهجته المملكة في الجمع بين البيئة والمياه والزراعة في حقيبة وزارية واحدة مثالًا يُجسد هذا التكامل، حيث يتم تنسيق الأدوار بفاعلية تضمن تجنب التعارض والتداخل في ضوء الحرض على التكامل بين كافة الجهات ذات الصلة والتي يعتبرونها في جميع جهودكم من أصحاب المصلحة، تلك الجهود المجتمعة للمراكز الوطنية بالمملكة تعزز من كفاءة الأداء في إدارة الموارد الطبيعية.
في يوم الحياة البرية العالمي، نقف إجلالًا لعظمة الطبيعة وثرائها، ونتطلع إلى تعزيز الجهود التي تصون إرثنا البيئي للأجيال القادمة. فالمملكة العربية السعودية، بجهودها الاستراتيجية والتنفيذية تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق نموذج عالمي في التنمية المستدامة، يجمع بين الطموح والمسؤولية، وبين البناء والحفاظ على ما حباها الله به من كنوز بيئية لا تُقدر بثمن.