غادرتنا دون وداع ، قاومت ثم استسلمت ثم رحلت، وقبل رحيلها ألقت في حجري بثلاثة أطفال، تعلقوا بذيلي يسألونني عنها كل صباح ومساء، رضيعة تصرخ بلهفة تبحث عن ثدي الام، طفل يطوف الحجرات ليلًا يبحث عن وجه كان يألفه، و الكبرى تندس في حضني تبكي وجع الفقدان، الحزن والبكاء رفاهية لم يتسع لهما وقتي، ابتلعت مرارة فقدانها لتستمر الحياة، الصخب والضجيج من حولي وداخلي كان ساكنًا، الابتسامة تغزو الوجوه و القلب حائر، هل من حقي أن أبتسم و قد انطفأت ابتسامتها للأبد، ضميري يؤرقني كلما هبت على القلب نسائم فرحة، أخجل من لحظة سعادة تكون عنها غائبة، حتى صور الذكرى لم يعد لها معنى دونها، لم يعد في الكون شيء مكتمل، الربيع تنقصه الألوان والضحكة تنقصها الروح حتى الشجر طرد عصافيره، لم يعد هناك على الأغصان مساحة بعد أن احتلها الغربان، الأصدقاء تحولوا لتاريخ ،الفسح والزيارات من المستحيلات، الحب و الغرام من الأساطير، الأوقات الصعبة بطيئة و طويلة، تمر فوق الأيام فتدهسها، تذبح العمر بلا شفقة، ولا وقت لدي للحزن، رضيعة الأمس أصبحت اليوم فتاة جميلة، تحمل حقيبة منتفخة بالكتب والكراريس، تقبلني وتقول، ماما لابد أن تحضري حفلتي المدرسية، لابد أن يعرف الزملاء أن أمي جميلة، ثم تستدرك الكلام وتقول وأمي التي في السماء أيضًا جميلة، تنزل بضعة درجات، ثم تعود لتقبلني وتقول أحبكما ياماما..