في الوقت الذي توشك فيه الحرب السورية على دخول عامها الثامن، رغم سيطرة قوات النظام السوري بدعم روسي إيراني، على معظم المدن السورية، إلا أن وتيرة الحرب آخذة في الارتفاع يومًا بعد يوم، خاصة مع تضارب وتشابك المصالح الدولية لأطراف عدة ترى أن لها نصيبًا في الكعكة هناك.
منذ شهرين، وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الأزمة، تتبادل الدول المتحاربة داخل هذا البلد، والمتمثلة في روسيا والولايات المتحدة وسوريا وإيران وتركيا، التهم بشأن التصعيد حول الوضع في سوريا، خلال جلسات لمجلس الأمن الدولي، إذ أكد مبعوث الأمم المتحدة لسوريا أن “النزاع يمتد لأبعد من الحدود السورية، في أكثر من اتجاه”، مشيرا إلى الخطورة المتزايدة على الاستقرار الإقليمي.
وحذرت الأمم المتحدة وعدة دول كبرى من خطورة أن تتحول الحرب في سوريا إلى نزاع إقليمي بعد المواجهات الأخيرة التي انخرطت فيها عدة دول بينها تركيا وإسرائيل وإيران.
الحرب العالمية قامت بالفعل
وتعليقا على الأحداث السورية كتبَ “بيرجان توتار” المحلل السياسي، مقالة تحت عنوان: “الحرب العالمية الثالثة اشتعلت في سوريا”، أنه مع القضاء على تنظيم “داعش” انكشف النفاق العالمي المسمى بـ”التحالف الدولي” على حقيقته، ولهذا ظهر إلى الواجهة الصراع الجيوسياسي الذي تخوضه القوى العالمية في الخفاء.
وأكد “توتار”، خلال مقالته التي نشرت بجريدة “صباح” التركية، أن الحرب الدولية على الإرهاب بدأت بالتخلي عن مكانها لصالح حرب أخرى لا هوادة فيها بين القوى العظمى في العالم، مشيرًا إلى أن الصراع بدأ يشتعل بين روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا في سوريا على الأخص.
وأضاف: “في هذه المرحلة الجديدة، تقف الولايات المتحدة وإسرائيل في جانب، وروسيا وتركيا، فضلًا عن إيران والنظام السوري في جانب آخر”.
وتناول “توتار” الوضع المتأزم مؤخرا، حيث أكد أن هذا المشهد الدامي خلال الأيام الأخيرة هو في الحقيقة خير مؤشر على أن الحرب العالمية الثالثة اندلعت منذ مدة في سوريا.
حرب بلا نهاية “قريبة”
المحلل السياسي الأردني عريب الرنتاوي، يرى أن الأزمة السورية ما زالت بعيدة للغاية عن خط النهاية، وأن فرص بقاء الجرح السوري نازفا ما زالت قائمة، وثمة -في نظر المتشائمين- ما هو أسوأ بكثير من النزف والاستنزاف، ثمة فرص ماثلة لموجات أكبر وأوسع من المواجهة المباشرة بين اللاعبين الكبار.
وأضاف الرنتاوي حسبما نقلت صحيفة “الدستور” الأردنية أن الأمم المتحدة تقول إن معارك سوريا الأخيرة، كانت الأعنف والأكثر دموية منذ اندلاع الأزمة، فيما لا يستبعد المراقبون انتقال “حروب الوكالة” إلى حروب مباشرة، لا سيما بعد سقوط أربع طائرات لأربع دول في شهر واحد: الروسية، التركية (مروحية)، الإسرائيلية والإيرانية (من دون طيار).
كما يرى الرنتاوي: “أن سوريا تحولت منذ عدة سنوات إلى ساحة تسوية حسابات إقليمية ودولية، وما كان يُدعى في يوم من الأيام بـ”الثورة السورية” لم يبق منها ثورة، ولم تعد سوريا، ويوما إثر آخر يتواصل تآكل أدوار الفاعلين المحليين على خندقي الصراع، وتجد القوى الإقليمية والدولية نفسها مجبرة على الإلقاء بثقلها مباشرة في الميدان، ثمة خمسة جيوش أجنبية موجودة بثقل كبير فوق أراضيها: روسي، أمريكي، إيراني، تركي، إسرائيلي”.
واستغلت العديد من الدول فى مقدمتها الولايات المتحدة أزمة الكيماوى بمدينة “دوما” السورية التى لم تتضح حتى كتابة هذه السطور أى إثبات تؤكد تورط نظام الرئيس السورى بشار الأسد.
أمريكا وأوروبا وإسرائيل.. روسيا وإيران والنظام السوري
منذ مجئ ترامب إلى السلطة، لم يبد اهتمامًا بالحرب في سوريا وحتى أنه لم ير ضرورة لمغادرة الأسد للسلطة، وبعدها أعرب مرارًا عن رغبته في سحب القوات الأمريكية من سوريا، بل وحتى إبدالها بأخرى عربية، الأمر الذي لم يقتنع به مستشاريه.
وستكون مهمة القوات البديلة -بحسب التقرير الذي أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال” هي حفظ “الاستقرار” بعد هزيمة تنظيم “داعش”، وطرده من شمال شرق سوريا.
وكان ترامب قد أعلن نهاية الشهر الماضي أن بلاده ستنسحب قريباً من سوريا “وتترك الآخرين يهتمون بالأمر”، ثم قال: إن على السعودية أن تدفع ثمن البقاء في سوريا إن أرادت ذلك.
وقد تكون هذه الدعوة لعدم ترك فراغ تملؤه إيران ما يؤثر على حليفتها الأثيرة إسرائيل، التي شنت عشرات الضربات ضد أهداف إيرانية في سوريا، كما أن الغرب بقواته المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة داعش، تريد أخذ نصيبها من موقع سوريا الاستراتيجي وثرواتها وعدم ترك الساحة للعدو الأول لها روسيا.
أما تركيا فكان من الطبيعي أت تسعى نحو مصالحها بسوريا بكل ما أوتيت من قوة، فعدا عن أنها أمنت ممرا للارهابيين لمحاربة النظام السوري، اجتاحت تركيا الأراضي السورية لتطهير حدودها الجنوبية من القوات الكردية (العدو اللدود) فكانت عملية عفرين هي ثاني خطوة ملموسة تقوم بها تركيا بعد عملية “درع الفرات” بغرض تفكيك الحزام الكردي الذي يتشكل على حدودها مع سوريا.
سباق القواعد العسكرية
اعتبرت صحيفة “ديفانس نيوز”، أن روسيا وأمريكا أطلقتا “سباقا لنشر القواعد العسكرية” في سوريا لأن كلا منهما تعتزم توسيع نفوذها في الشرق الأوسط ومواجهة التهديدات غير المتماثلة.
ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تذكر اسمها، أن الولايات المتحدة لديها قاعدة عسكرية في مدينة الطبقة بالقرب من الرقة. وأن هذا المرفق الذي يشغله الأمريكيون حاليا كان في وقت سابق، قاعدة جوية سورية، والآن يقوم المدربون الأمريكيون فيها بتدريب القوات الكردية. وهناك منشأة عسكرية أخرى، وفقا لـ “ديفانس نيوز”، يجري بناؤها في التنف عند مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، حيث لا يسمح الأمريكيون للقوات الروسية والحكومية بالوصول إلى هناك.
ولدى روسيا، بدورها، قاعدتان عسكريتان على الأراضي السورية: القاعدة الجوية في حميميم والقاعدة البحرية في طرطوس. وفي الوقت نفسه، تشير الصحيفة إلى أن القواعد الروسية قد أنشئت في سوريا بموافقة السلطات السورية الرسمية وبطلب منها.
ولاحظ وهبي قطيشا، الجنرال المتقاعد من الجيش اللبناني، أن التنافس بين روسيا والولايات المتحدة على الأراضي السورية، بما في ذلك السباق على إقامة القواعد العسكرية، عائد إلى الموقع الاستراتيجي الهام لهذا البلد.
ووفقا لقطيشا، فإن سوريا هي بوابة الشرق الأوسط والخليج، لذلك عزمت روسيا العودة إلى هذه المنطقة كقوة عظمى.
كما أكد قطيشا أن العملية العسكرية في سوريا سمحت لروسيا بزيادة صادراتها من الأسلحة. وعلى وجه الخصوص، فإن الصفقة بين روسيا والمملكة العربية السعودية على تسليم الأخيرة منظومات “إس 400 تريومف”، كان نتيجة مباشرة للانتصارات التي حققها الجيش الروسي في سوريا، وفقا لـ”ديفانس نيوز”.
الدور العربي في سوريا.. هل يوقف نزيف الدم وتدخلات الغرب؟
أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية، أكد ضرورة عودة الدور العربي في سوريا وتفعيله، في الوقت الذي غادر فيه المئات من مقاتلي هيئة تحرير الشام معسكر اليرموك إلى إدلب، بعد إطلاقها سراح العشرات من بلدتي الفوعة وكفريا في إطار اتفاق مع النظام. ونوه قرقاش بأنه مع تعثر الجهود السياسية الدولية والإقليمية للخروج بآلية فاعلة لحل الأزمة السورية الدامية، لا بد من عودة الدور العربي وتفعيله، مؤكدًا أن تهميش وغياب الجهد المؤسسي العربي لا يمكن أن يستمر، بحسسب صحيفة الاتحاد الإماراتية. تصريحات قرقاش جاءت في الوقت الذي حققت فيه القوات السورية نجاحات ملموسة على أرض الواقع من جانب، وتمدد إيران من جانب آخر.
فالحل السياسي في سوريا هو الطريق الوحيد لأزمة دموية مشتدة، لكنه لا يمكن أن يكون حلا إيرانيا أو تركيا، ويجب أن لا يغيب عنه الدور والبعد العربي. كان قرقاش قد أعرب خلال مؤتمر “فكر 16” الذي عقد بدبي مطلع إبريل الماضي، عن أسفه من تحييد العالم العربي عن جهوده في تسوية الأزمة السورية وتكثيف دور أطراف غير عربية في المنطقة. وحذر من أن دول العالم العربي أصبحت خلال العقدين الماضيين، في ظل ضعف النظام العربي، ساحة للتدخل الخارجي ونفوذ دول الجوار، مثل إيران وتركيا وإسرائيل.
فيما قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: إن “المملكة ستفكر مع بعض الدول الأخرى في إرسال قوات كجزء من هذا التحالف”. وأضاف الجبير “لدينا مقترحات لأعضاء من دول التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب في السنة الماضية لإدارة أوباما، وأجرينا كذلك نقاشات مع الولايات المتحدة لإرسال قوات لدعم الحل في سوريا”.
خلاصة القول: إنه “من مصلحة العرب العمل على وقف هذه الصراعات المسلحة التي كلفت شعوب المنطقة الكثير من الدماء والمال والدمار”.