تعاني مصر من مرض قاتل أعراضه هي”حصول من لا يستحق على ما يستحقه غيره” ويبدو أن المرض بات مزمنا وعصي على العلاج فقد ضرب بجذوره في جسد الدولة ما جعل قطاع عريض من المصريين يفقدون الأمل في التداوي خصوصا أن ضحاياه في تزايد وأيضا من وراء انتشاره من اللصوص الفاسدين والمنتفعين في تزايد أكثر .
وتعد هذه الكارثة من أبرز أسباب نسف أي خطوة نحو مستقبل أفضل إذ يتم إقصاء الكفاءات وتصعيد أصحاب المهارات والقدرات والملكات الخاصة في الرياء والنفاق والتملق أو الذين يملكون علاقات قوية مع أصحاب القرار أو من يدفعون رشاوى.
قد لا أكون مبالغا إن قلت أن أغلب الهيئات والمؤسسات الحكومية يديرها “أهل الثقة”.. لذا ليس غريبا أن تكون معايير اختيار رئيس المؤسسة قربه أو صداقته من الشخص المتحكم في اختيار أصحاب المناصب لذا يتولى الأسوأ الذي يختار من يشبهونه من أصحاب العقول التي تجيد فن المؤامرات وحبك المكائد فهؤلاء أسلحتهم ليس مهنيتهم ولا كفاءاتهم بل الفتن والدسائس وتكوين شبكات من الفساد لتحميهم ما يؤدي في النهاية إلى إنهيار هذه المؤسسات ويترك هؤلاء الفاسدون مواقعهم بعد أن يكونوا قد استكفوا من النهب والسرقة ولكن ذيولهم تظل تعيث فسادا .
ولن تستقيم هذه المؤسسات إلا بتطبيق معايير مهنية حقيقية في اختيار القيادات والابتعاد عن الأهواء والعلاقات الشخصية ووقف مهزلة “أهل الثقة” التي جلبت لمصر الخراب على مدار الأعوام الماضية ، نحن في فترة مفترق طرق في تاريخنا المعاصر نحتاج فيها إلى كل أبناء مصر من الكفاءات والموهوبين الذين للأسف يتم التنكيل بهم من الفاسدين الذين يهيمنون على هذه المؤسسات .
كما أن من الآفات الخطيرة غياب تطبيق معايير العدالة بين كافة فئات المجتمع ، فلا توجد أي دولة في العالم يتقاضى فيها المعلم مربي الأجيال “عشر” راتب موظف في وزارتي العدل والمالية أو محاسب في وزارة البترول أو غيرها من الوظائف التي تذهب لأبناء الصفوة والنخبة ، بينما يبذل عاملون في وظائف شاقة بوزارات أخرى جهودا لا تقل عنهم وربما تفوقهم بكثير لكنهم ليسوا من المحظوظين المنعمين بالرواتب الضخمة .. فكيف يمكن ألا يهاجم الغبن هذا المظلوم ؟ كما أنك لاتستطيع أن تلومه على حسده أو شعوره بالغيرة فهي طبيعة بشرية خصوصا أن المسافة شاسعة وصارخة في التفاوت في المقابل المالي في فترة حالكة الصعوبة يعاني فيها المصريين بشدة نتيجة تكالب الظروف الاقتصادية عليهم .
الأزمة ليست شفرة معقدة ولا تحتاج إلى خبراء عالميين متخصصين في الاقتصاد والأرقام .. برأيي أن الحلول بسيطة أولا يجب أن يكون هناك توجه من الدولة لاجتثاث جذور الفساد وهذا الحلم ليس بالعبارات الرنانة ولكن بقرارات حاسمة وبالضرب بيد من حديد ضد كل من تسول له نفسه أن ينهب ويسرق ويتوهم أنه بمنأى عن الحساب لعلاقاته بفلان باشا أو علان بيه ..
كما أن الأهم العثور على أشخاص بضمائر حية يتقون الله ويراعونه في كافة قراراتهم .. لكن يبدو أننا في فترة صعد فيها الحثالة وتوارت النخبة لأن ” الضمائر ماتت وشبعت موت “.