”
دكتورة / سماح باقي …تكتب
من الورق إلى التطبيق: كيف يغير قانون العمل الجديد واقع العمال وأصحاب الأعمال؟
يُعد قانون العمل الجديد محطة محورية في مسار إصلاح المنظومة التشريعية المرتبطة بسوق العمل، حيث جاء ليعكس التوجه نحو تحقيق التوازن بين مصلحة العامل وضمانات صاحب العمل، في إطار من العدالة والإنصاف.
إن التطبيق الفعلي لهذا القانون يمثل خطوة جوهرية نحو ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية المستدامة، ليس فقط من خلال تعزيز حقوق العاملين وتحسين بيئة العمل، بل أيضًا عبر خلق مناخ تشريعي قادر على دعم الإنتاجية والاستثمار.
ومن ثم تبرز أهمية دراسة آليات تطبيق القانون الجديد، واستكشاف ما يحمله من فرص وتحديات على المستويين الفردي والمؤسسي.
*العمل في ثوب جديد …مصر تفتح بابا نحو الإصلاح التشريعي*
لم يعد الحديث عن قوانين العمل أمرًا يخص المتخصصين وحدهم، بل أصبح شأنًا عامًا يمس حياة ملايين العمال وأصحاب الأعمال على حد سواء.
ومع صدور قانون العمل الجديد، تفتح مصر بابًا جديدًا نحو إصلاح تشريعي يوازن بين حقوق العاملين واحتياجات سوق العمل المتغيرة، بما يضمن عدالة اجتماعية أكثر رسوخًا واستدامة.
1. ملامح القانون الجديد
جاء القانون الجديد ليضع حدًا للعديد من الإشكاليات التي واجهت سوق العمل لسنوات طويلة. فقد ركّز على:
تأمين حقوق العمال مثل الإجازات، ساعات العمل، وضمان بيئة آمنة وصحية.
تنظيم العلاقة التعاقدية بما يحمي الطرفين من الاستغلال أو الغموض القانوني.
تشجيع الاستثمار عبر توفير إطار قانوني أكثر وضوحًا واستقرارًا لأصحاب الأعمال.
تعزيز آليات التسوية وحل النزاعات العمالية بطرق أسرع وأكثر فعالية.
2. العدالة الاجتماعية كركيزة
العدالة الاجتماعية ليست مجرد شعار يرفعه القانون، بل هي جوهر بنوده، إذ يسعى التشريع الجديد إلى تقليص الفجوة بين العامل وصاحب العمل، عبر ضمان حد أدنى للأجور، وتحسين أنظمة التأمينات الاجتماعية، وحماية العمالة غير المنتظمة. هذه الخطوات تُعد أساسية لبناء مجتمع أكثر تماسكًا وإنصافًا.
3. الفرص والتحديات
رغم ما يحمله القانون الجدي من مزايا، إلا أن تطبيقه يواجه عدة تحديات تمثل فرص للتحسين ، أبرزها:
مدى وعي العاملين وأصحاب الأعمال ببنوده.
قدرة أجهزة الرقابة على التنفيذ والمتابعة.
التحديات الاقتصادية التي قد تؤثر على سرعة تطبيق بعض الامتيازات.
لكن في المقابل، يفتح القانون آفاقًا واسعة نحو تحسين بيئة العمل، وزيادة الإنتاجية، وجذب الاستثمارات التي تبحث عن بيئة تشريعية مستقرة.
*نحو استدامة حقيقية… يقود خطواتها قانون العمل*
نجاح القانون الجديد لن يتحقق بصدوره فقط، بل بمدى الالتزام الجاد بتطبيقه ومتابعة نتائجه على أرض الواقع، وهنا يبرز الدور الحيوي لمؤسسات الدولة، والنقابات العمالية، وأصحاب الأعمال، في ترسيخ ثقافة قانونية قائمة على الحقوق والواجبات.
والخلاصة في ذلك إن قانون العمل الجديد يمثل أكثر من مجرد تعديلات تشريعية، فهو بمثابة إعلان عن بداية مرحلة جديدة في علاقة العمل داخل مصر.
فإذا ما كُتب له التطبيق العادل والفعال، فإنه سيكون خطوة راسخة نحو عدالة اجتماعية مستدامة، تحفظ كرامة العامل، وتدعم الاقتصاد الوطني في آن واحد.
*ونستعرض فيما يلي ابرز التعديلات* :
أ. تعزيز الحماية للعمال
إلغاء “الاستمارة 6” بدلاً من ذلك، أصبحت الاستقالة معتمدة فقط بعد ratification من مكتب العمل وهو ما يعزز موقف العامل ضد الإكراه
-تعويضات إنهاء الخدمة واضحة: إن تم إنهاء العقد محدد المدة بعد تجديده لأكثر من 5 سنوات، يُمنح العامل شهر راتب عن كل سنة خدمة .
فترة الإخطار عند إنهاء العقود غير محددة المدة: أصبحت 3 أشهر بغض النظر عن مدة خدمات العامل
ب-مرونة وعصرية في أشكال العمل
الاعتراف الرسمي بـأشكال العمل الحديثة مثل العمل عن بُعد (Remote Work)، العمل الجزئي (Part-time)، والمشاركة الوظيفية (Job Sharing) ضمن نصوص قانونية واضحة
ج. إجازات وأوقات عمل موسّعة
إجازة الأمومة: ارتفعت من 90 يوم إلى 120 يومًا، مع إمكانية الحصول عليها 3 مرات خلال الخدمة، ويحق للمرأة أخذها منذ أول يوم عمل
إجازة الأبوة: لأول مرة، يُمنح العامل الأب يومًا مدفوع الأجر عند ولادة الطفل، حتى 3 مرات خلال الخدمة
إجازة الطفل (Childcare): يمكن للعامل أخذها حتى 3 مرات، بشرط خدمة عام وإن كان بين فترات الإجازات عامين على الأقل
الإجازة السنوية:
السنة الأولى: 15 يومًا
السنة الثانية فصاعدًا: 21 يومًا
بعد 10 سنوات أو 50 عامًا: 30 يومًا
أصحاب الإعاقة: 45 يومًا
إجازات طارئة: ارتفعت إلى 7 أيام سنويًا، بشرط ألا تزيد عن يومين متتاليين
د. العمل الإضافي وتنظيمه
إلغاء إذن مسبق لجميع حالات العمل الإضافي، والاكتفاء بإخطار وزارة العمل خلال 7 أيام عند ظروف استثنائية
يحق للعامل اختيار إما العمل الإضافي بأجر أعلى أو بدل راحة بديلة تُسجَّل رسميًا
هـ. نشر عدالة وفرص متكافئة
منع التمييز والمضايقات في بيئة العمل بكل أشكالها – عقابيًا أو لفظيًا أو نفسيًا – وتكريس بيئة خالية من التحرش والتنمر .
تعريف أوسع للعمل يشمل العمل الحر، والعامل المنزلي، والعمل غير الرسمي ضمن الأحكام القانونية .
و. تنظيمات إدارية وتشريعية جديدة
المساهمة في صندوق التدريب: خُفّضت المساهمة إلى 0.25% من الحد الأدنى للأجر التأميني السنوي، مع سقف 30 جنيهًا، وسريّة التطبيق للجهات التي تضم 30 موظفًا فأكثر .
أربعة نسخ من عقد العمل: نسخة للعامل، لصاحب العمل، للتأمينات، وأخرى تودع لدى مكتب العمل
تقرير للوزارة خلال 30 يوم من العمل: بشأن بيانات العمال (مؤهلات، أعمار، جنسيات، أجور…)
ز. القضاء العمالي وفض النزاعات
إنشاء محاكم عمالية متخصصة للفصل في النزاعات خلال 90 يومًا، بالإضافة إلى لجان تسوية ثلاثية في حال النزاع غير المنتهي بالصلح في 21 يومًا
وبينما يفتح قانون العمل الجديد آفاقًا أوسع للحقوق والواجبات، فإن نجاحه الحقيقي سيُقاس بقدرته على تحقيق التوازن بين حماية العامل ودعم صاحب العمل، بما يصنع بيئة عمل عادلة ومستدامة تعزز التنمية الوطنية…وهو ما سنراه في الفترة القادمة …وإلى لقاء جديد
.

























