دكتـــــــورة / سمــــاح باقــــــي تكتـــب……
عندم تقود الثقافة عجلات الاقتصاد الإبداعي …قراءة في افتتاح المتحف المصري الكبير
مصر تنطلق وسط الضغوط .
على الرغم من الضغوط الاقتصادية الإقليمية والدولية التي تمر بها مصر ، فقد استطاعت الدفع بمشروع المتحف المصري الكبير إلى خط النهاية بمزيج من الإرادة السياسية وإ ترتيب الأولويات الاستثمارية، وجذب تمويلات دولية ومحلية مخصّصة للمشروعات الثقافية الكبرى.
وجاءت مرحلة افتتاح المتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر 2025 كتتويج لمراحل إبداعية سبقتها، فمن نموذج تشييد طويل المدى، إلى مراحل تنفيذ تراعي التحديات الاقتصادية، كلها نراحل تظهر الدولة المصرية مستثمرة في رمز حضاري قادر على توليد عوائد مستقبلية، ومراهنة على قوة الثقافة كأصل اقتصادي طويل الأجل، يتخطى بمراحل فكرة المشروع الترفيهي الذي يمكن تأجيله.
دور المتحف في تعزيز الهوية المصرية ودعم القوة الناعمة……
وقفت الهوية المصرية كثيراًعلى المحك أمام الكثير من التحديات الثقافية ، وجاء المتحف المصري الكبير ليلعب دوراً محورياً في إعادة تقديم الهوية المصرية للعالم بصورتها المعاصرة، مصر لا تتفاخر بحضارتها التي تضرب بجذورها لأكثر من سبعة آلاف سنة فحسب ، بل تربط بين عمق الحضارة القديمة وروح الدولة الحديثة عبر سرد بصري ومعرفي شامل، وهنا يمكن القول بأن المتحف المصري الكبير يعيد تشكيل الوعي الاجتماعي حول قيمة التراث باعتباره جزءاً من مشروع وطني لا يخص الماضي فحسب بل يمتد إلى المستقبل.
ولا شك أن هذا الحضور الثقافي الضخم يدعم قوة مصر الناعمة إقليمياً ودولياً، ويمنحها قدرة أكبر على التأثير الثقافي والدبلوماسي، فمن استقبال الوفود غلى تنظيم الفعاليات، ظهرت مصر في أبهى صورها،وو ما يؤهلها لإطلاق برامج تعليمية وتبادلات ثقافية تعزز صورة مصر كقوة حضارية مستمرة وليست مجرد إرث تاريخي جامد.
جذب العملة الصعبة وتوسيع قاعدة الدخل القومي ……
المتحف المصري الكبير، وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة، يمثل نقطة جذب رئيسية لتدفقات النقد الأجنبي ، فهو طريق لزيادة السياحة الثقافية ذات الإنفاق المرتفع، ويتوقع أن يسهم المتحف في رفع متوسط مدة الإقامة ومعدلات الإنفاق للسائح الواحد، هكذا يعزز احتياطيات الدولة من العملات الأجنبية ويخفف الضغط على الميزان التجاري.
كما يتكامل تأثيره مع قطاعات النقل الجوي والفندقة والخدمات التجارية ليخلق مصادر دخل جديدة ويعيد توزيع النشاط الاقتصادي ، بل يتوقع أن يمتد للعديد من المن والوظائف
هذا النموذج يسهم في توسيع قاعدة الدخل القومي من خلال توجيه التراث نحو خدمة الاقتصاد الحقيقي، وتفعيل دورة مالية مستدامة تستند إلى موارد غير تقليدية تعتمد على المعرفة والتجربة الثقافية.
هل يمكننا التحول نحو نموذج متاحف ذاتية التمويل؟
لقد أشار افتتاح المتحف المصري الكبير ببنانه إلى بداية مرحلة جديدة في إدارة المؤسسات الثقافية في مصر، هذه المرحلة تقوم على تقليل الاعتماد على الدعم الحكومي تدؤيجياً، وبناء نموذج مالي قائم على تنويع مصادر الدخل.
فالمتحف المصري يوفر مزيجاً من الخدمات التجارية والثقافية من المعارض الخاصة، والفعاليات الدولية،و مركز الترميم والتدريب،و قاعات المؤتمرات، ومتاجر الهدايا، و يخلق بذلك منظومة موارد مستقلة تدعم التشغيل والصيانة والتطوير المستمر.
يعكس هذا التوجه انتقالاً واعياً نحو إدارة احترافية للممتلكات الثقافية وفق معايير الاقتصاد المعرفي، ويعزز القدرة على الاستثمار طويل الأمد في التراث دون أن يكون عبئاً على الموازنة العامة، مساهماً في صناعة ثقافية قادرة على المنافسة إقليمياً وعالمياً.
تعزيز الاقتصاد ومؤشراته…..
في إطار ما تبذله الدولة من جهد لتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي يأتي إطلاق المتحف المصري الكبير كأداة لتعظيم موارد غير تقليدية ورفع كفاءة القطاعات الإنتاجية، والمساهمة في تنشيط الناتج المحلي الإجمالي من خلال زيادة العوائد السياحية، وتوسيع النشاط الخدمي والتجاري، وتحريك سلاسل إمداد محلية تشمل النقل، الضيافة، الحرف، والخدمات التقنية. كما ينعكس على ميزان المدفوعات عبر تدفق العملة الصعبة، وتراجع الضغوط على الاحتياطي النقدي.
فضلاً عن ذلك، يدعم المتحف الاستقرر النسبي لسوق العمل وتخفيض معدلات البطالة في محيطه الجغرافي،على الأقل، مع تعزيز قدرة الدولة على جذب الاستثمارات الثقافية والسياحية. هذا النمو في القطاعات المرتبطة بالمتحف من الممكن أن يُترجم إلى تحسن تدريجي في ثقة الأسواق والمؤسسات المالية الدولية، ومن ثمّ دعم معدلات النمو والاستدامة الاقتصادية على المدى المتوسط والبعيد.
رؤية مستقبلية وفرص للتحسين……..
إن الآفاق المستقبلية للمتحف المصري الكبير تشير إلى أنه من الممكن أن يكون نقطة انطلاق نحو نموذج تنموي قائم على الاقتصاد الثقافي وتوسيع النفاذ إلى الأسواق العالمية عبر توظيف التراث كأصل استراتيجي.
وتتبلور هذه الرؤية المستقبلية في تحويل الجيزة إلى مركز حضاري-اقتصادي متكامل، يستقطب الفعاليات الدولية، ويعزز التجربة السياحية من خلال الربط بين التكنولوجيا،و التعليم، والترفيه الثقافي.
ورغم هذه الإمكانات الواعدة، يبقى النجاح النهائي مرهوناً بقدرة الدولة على استغلال فرص التحسين في نقاط جوهرية، أبرزها تطوير منظومة نقل فعّالة تدعم حركة الزائرين، و رفع جودة الخدمات الفندقية والتجارية، وحماية البيئة العمرانية المحيطة من العشوائية العمرانية والضغط السياحي.
كما يتطلب الأمر إشراك المجتمع في الفوائد التنموية، وضمان استدامة التشغيل والتمويل دون الإخلال بالقيمة التاريخية للمكان.
هذه المقاربة المتوازنة بين الطموح والتنظيم تضع الأساس لتحويل المتحف من مشروع افتتاحي ضخم إلى محرك تنموي مستدام يسهم في ترسيخ مكانة مصر في خريطة الاقتصاد الثقافي العالمي…….وللحديث دوماً بقية

























