هناك الكثير من الملابسات التاريخية المغلوطة! ومن بين هذه الملابسات عل سبيل المثال: الإعلان الرسمي عن هبوط الأمريكيين على سطح القمر وسط ظروف غير اعتيادية.
في الحقيقة هناك الكثير من الأخبار الملفقة في هذا الموضوع ، ولكن ما يثير الكثير من التساؤلات حقا: لماذا التزم الاتحاد السوفيتي الصمت؟ لماذا لم ترتفع الأصوات لتثير الشكوك والشبهات حول الإنجاز الأمريكي المزعوم؟ في الواقع هذا ما كان منتظرا ومتوقعا من المنافس الرئيسي للأمريكيين في سباق الوصول إلى القمر، فلاريب أن هذا المنافس سوف يولي الأمر اهتماما بالغا، ويقوم بتحليل الموقف عن كثب قبل تصديق وقبول ما تم الإعلان عنه.
لقد كان قبول الاتحاد السوفيتي بهذا الإعلان الرسمي يعني بوضوح هزيمته في سباق الوصول إلى القمر.
كانت الأحداث – كما يقال – تجري على مسرح بعيد جدا، ولا يوجد من يمكنه الـتأكد من صدق الأحداث، فمن هذا الذي يمكنه أن يعرف ما الذي جرى هناك على وجه التحديد؟ ولكن الغريب في الأمر أنه لم يتم التطرق للأمر برمته! ولم تتحرك ظلال الشكوك حول احتفالات المنافس الرئيسي! ما تفسير ذلك؟
مرت الأعوام، ومرت العقود، وظهرت كتب عديدة تتناول الكثير من الشبهات حول الرحلات الفضائية الأمريكية، وطرحت الأسئلة التي ما يزال الرأي العام الأمريكي نفسه يطوق لمعرفة إجاباتها حتى اللحظة. وهو ما أدى إلى ظهور قناعة لدى الباحثين – وقد تشكلت هذه القناعة على مر السنين – بأن الخبراء السوفيت في مجال الفضاء لا ريب أنهم كانوا على علم بكافة تلك الشبهات والأسئلة منذ اللحظات الأولى.
ولكن كانت إجاباتهم عبارة عن صمت مطبق.
بل وصل الأمر إلى أن يعلن رائد الفضاء السوفيتي الشهير “ليونوف”- وآخرون من مشاهير برنامج الفضاء السوفيتي – أن كل ما قاله الأمريكيون صحيح وصادق ولا يتطرق إليه الشك!
ولذلك يتوجب طرح السؤال في صيغة أخرى: فبدلا من صيغة لماذا صمت الاتحاد السوفيتي؟ يتوجب صياغة السؤال كما يلي: ما هو المقابل الذي تم تقديمه ليصمت الاتحاد السوفيتي؟ عند طرح هذه الصياغة الجديدة للسؤال؛ فإن الموضوع يصبح في إطار منطقي.
في البداية يجب ملاحظة أن البرنامج الفضائي الأمريكي قد بدأ عقب انتهاء مرحلة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي.
فتم إزالة الاحتقان بين القطبين وبدء مرحلة من العلاقات الدافئة ليس فقط مع الولايات المتحدة؛ وإنما مع العالم الغربي بصفة عامة – وهو ما أطلق عليه دمج الاتحاد السوفيتي في السياسة الخارجية. ما سبب هذه الهدية المفاجئة؟ هل هي محض صدفة؟
ومن المثير أن الشكوك حول برنامج الفضاء الأمريكي لم تناقش على أراضي الاتحاد السوفيتي – وهو ما كان أمرا منطقيا نظرا للصراع الطويل بين القطبين وإنما ظهرت في أمريكا ذاتها.
وكان الكاتب الأمريكي بيل كيسينج أول من كتب حول هذه الشبهات، التي حطمت تماما كل أركان النظرية الرسمية المتداولة ومن أهم تلك الملاحظات:
- أن مستوى التطور التكنولوجي لوكالة الفضاء ناسا كان لا يسمح بإرسال مركبات مأهولة إلى القمر في ذلك الوقت.
- غياب النجوم في خلفية جميع الصور المزعومة لرواد الفضاء على سطح القمر،
- لا يمكن استخدام أفلام التصوير المتاحة في ذلك العصر فلا بد أنها قد تعرضت للتلف والانصهار نتيجة لدرجات الحرارة المرتفعة على سطح القمر نهارا،
- وجود انحرافات بصرية متباينة في الصور، وكذلك الصورة الشهيرة حيث يرفرف العلم الأمريكي رغم وجوده في الفراغ ،
- ضرورة استواء السطح بدلا من وجود تضاريس ، ويتشكل السطح على هذه الهيئة ليصبح مستويا نتيجة لهبوط المركبات وبسبب الحرارة الشديدة المنبعثة من محركات الهبوط.
فإذا بحثنا من جهة أخرى في الأسباب التي دعت القيادة السياسية السوفيتية لمثل هذا الموقف فيمكن أن نصل إلى السببين الأساسيين:
- أولا: كان من المحتم إنهاء البرنامج الفضائي السوفيتي الذي صار عبئا على اقتصاد الدولة، حيث تم إنفاق مليارات الروبلات على البرنامج.
- كان بالفعل تم إرسال الكثير من المركبات الفضائية غير المأهولة وهبوط العديد من الأجهزة الآلية على سطح القمر، وصار من الواضح أنه لا يحتوي على ما يثير الاهتمام.
- كان البرنامج الفضائي السوفيتي في الوقت ذاته بعيد كل البعد عن تطلعات الشعب واهتماماته.
- ثانيا: تم رفع الحظر المفروض على الصادرات النفطية السوفيتية في غرب أوروبا، وبالتالي بدأ السوفيت في اختراق أسواق الطاقة – خاصة تصدير الغاز الطبيعي – وهو مايزال مجالا نشطا ويعمل بكفاءة حتى يومنا هذا.
- كما تم توقيع اتفاقية لتصدير الحبوب الأمريكية إلى الاتحاد السوفيتي وبأسعار تقل كثيرا عن متوسط الأسعار العالمي، وهو ما أثر بالتأكيد على الميزانية الأمريكية ورخاء المواطنين هناك.
وهكذا يصبح منطقيا استنتاج وجود صفقة بين الطرفين؛ وهكذا صار الصراع العسكري والحرب الباردة وسباق الوصول للقمر والتهديدات المتبادلة باستخدام الأسلحة النووية جزءا من الماضي.
وتم توقيع اتفاقية هلسنكي عام 1975 فكانت تتويجا لسياسة التهدئة بين القطبين.
لقد بدأت على ما يبدو مرحلة جديدة للسلام بين الغرب والشرق..!