استضاف منتدى الكتاب المنعقد في مدينة برمنغهام بالمملكة المتحدة، والذي يحتفل بمرور خمسة عشر سنة على تأسيسه، السبت، حفلًا لمناقشة كتاب “الحصاد الأسود.. ما فعله الإخوان بمصر”، للكاتب اللواء عبدالحميد خيرت، وذلك في إطار جلسات المنتدى الشهرية.
وفي حالة من النشوة، ولأول مرة منذ تأسيس النادي، طالب الحضور بتمديد الزمن لساعة إضافية للمزيد من مناقشة الكتاب الذي حاول من خلال 9 أبواب، ضمَّت 41 فصلا، الكشف عن أسرار مخططات ما يُعرف بـ ”الربيع العربي” وأجندته المؤامراتية التي اعتبرت مصر جائزتها الكبرى، وفك طلاسم اللغز: كيف وصلت جماعة الإخوان للحكم.؟ وبِمَ ترتبط.؟ وماذا تحمل في خفاياها.؟ وماذا فعلت في البلاد والعباد طيلة عامها الأسود؟، ثم أعرب البعض عن سخطهم لانتهاء الجلسة بعد التمديد.
ووجه أعضاء نادي الكتاب رسالة إلى مؤلف الكتاب اللواء عبدالحميد خيرت، مفادها جزيل الشكر على ما وصفوه بالجهد العظيم المبذول في صياغة هذا العمل، وما يحتويه على رسائل لفضح تنظيم الإخوان مطالبين اللواء خيرت بضرورة تأليف المزيد من الكتب التي يتركز محتواها على فضح الدور القطري والتركي في المنطقة وما يسعون إليه من تنفيذ المخططات التي من شأنها إنهاك المنطقة وإدخالها في صراع دائم لتحقيق المصالح.
كما ناشد أعضاء نادي “برمنغهام” بضرورة ترجمة الكتاب إلى عدة لغات لتعم الفائدة على أكبر شريحة ممكنة من القراء حول العالم.
بدأت الجلسة بالتعريف بالكتاب الصادر عن دار روزنامة في سبتمبر 2017، في 304 صفحة من القطع الكبير، وذكر معتصم الحارث الضوّي، والذي قام بدوره باستعراض الكتاب، أن الغلاف جاء مُعبّرا للغاية عن تعقيد اللعبة السياسية التي اختارها المؤلف موضوعا لكتابه؛ فالشطرنج لعبة التخطيط الاستراتيجي والتكتيك، وإدارة الأمور والأزمات بذكاء وصبر وحنكة.
وبدأ معتصم الحارث في وصف الكتاب موضحًا أنه يقع الكتاب في تسعة أبواب، يحتوي كل منها على عدد مختلف من الفصول، واختار الكاتب عناوينها بانتقائية زاوج فيها بين الفصحى والعامية، ووشتْ أيضا عن روح مرحة، فرأينا فصول “قطر اللهو غير الخفي” و “عسكر وحرامية”.. إلخ.
وذكر الحارث هدف المؤلف من الكتاب وفقًا لما ورد في المقدمة: “ليست محاولة للتأريخ بقدر ما هي محاولة لفهم الحكاية.. استيعاب ما جرى قبل فتنة 25 يناير 2011، والتعرف على مُجريات الأحداث، وكيف وصلنا إلى هذه الفترة السوداء من حكم الإخوان… الحديث هنا ليس ثانويا يمكن تجاهله أو تناوله باعتباره “حكاية” أو “قصة مسلية” بمعزل عمّا حدث ويحدث في المنطقة منذ سنوات… هذا الكتاب محاولة بسيطة لفك طلاسم اللغز: كيف وصلت جماعة الإخوان إلى الحكم؟ وبم ترتبط؟ وماذا تحمل في خفاياها؟ وماذا فعلت في البلاد والعباد طيلة عامها الأسود؟ باختصار، إنها ليست بحثا عن إجابات، ولكنها كما قُلت: محاولة للفهم”.
وأوضح الحارث أن أسلوب الكاتب يتسم بالتوثيق الصارم حيث يُحيل الكاتب إلى المراجع وينسب كل الآراء والاقتباسات إلى أصحابها ومواقع نشرها، وكذلك بدقة العبارة وترتيب الأفكار بعناية فائقة، وبالتأسيس لدفوعاته -على منهج القانونيين- بهيكلية تسعى بشكل حثيث لإقناع القارئ، ولا عجب فتأهيل الكاتب وخبرته العملية تجعل استخدامه لهذا الأسلوب المنهجي منطقيا وطبيعيا.
وأشار إلى أن المؤلف بدأ بوصف “الربيع العربي” بالربيع الكارثي، ويورد تقديرا يعود إلى ديسمبر 2015 بأن التكلفة المالية له وصلت إلى نحو 834 مليار دولار. ثم ينتقل إلى مقولة السادات الشهيرة بأن 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا، ويُعلّق بأن هذه المقولة كانت قراءة واعية لتاريخ قديم، حيث نشر الأدميرال الأمريكي الفريد ماهان مقالة في سبتمبر 1903 في مجلة The National Review البريطانية تُلخّص كتابه “القوة البحرية والولايات المتحدة”، والذي يُنظّر فيه بأن لكي تحتفظ القوى العظمى بالهيمنة على طرق الاتصال بين الشرق والغرب، فلا بد لها من السيطرة على ما أسماه “عنق الأراضي” التي تربط آسيا وإفريقيا، وعنى بها تركيا وإيران ومصر والحوض الشرقي للبحر المتوسط..
ويتناول الكاتب لاحقا خطة “كيڨونيم” لتقسيم المنطقة: من العراق وحتى مصر، ودول شمال إفريقيا، والسودان وباكستان وغيرها. نشرت مجلة كيڨونيم العبرية “اتجاهات باللغة العربية” هذه الدراسة لأوديد بينوت في عددها الصادر في فبراير 1982، ويقول الكاتب إن هذا المخطط قيد التنفيذ، وبينما فشل في مصر، فقد نجح في السودان!.
وبين معتصم أن المؤلف لم يقف عند الجانب العملي للمخطط فحسب، بل تطرّق إلى الآباء المؤسسين نظريا لتقسيم المنطقة: المستشرق برنارد لويس، والفيلسوف الفرنسي هنري برنارد ليفي، فأفرد لكل منها فصلا مستقلا.
وقال إن الكاتب يرى بأن الإشارة لضربة البداية الرسمية جاءت في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في جامعة القاهرة في 4 يونيو 2009، حيث قال إن التغيير لن يحدث بين ليلة وضحاها، مُضيفا أن أمريكا تحترم حق أصحاب الأصوات السلمية في الاستماع إليهم حتى لو كانت مختلفة معهم، وقد أشار الصحفي الأمريكي ديفيد إغناتيوس في صحيفة واشنطن بوست إلى أن هذه العبارات صيغت تحديدا للإشارة إلى الإخوان المسلمين. لقد تناسى الجميع طلب أوباما من مبارك لدعوة أعضاء من الإخوان لحضور خطابه في تصرف غير مسبوق!.
كما يربط المؤلف بين هذا الخطاب وتصريحات رئيس المخابرات الأمريكية السابق جيمس وولسي سنة 2006، والتي جاء فيها أننا سنصنع إسلاما مناسبا لنا، ثم ندعهم يصنعون ثوراتهم!
واستكمل: “ينتقل الكتاب إلى مرحلة زمنية لاحقة ويصف للقارئ دور محمد البرادعي الذي مهّد بشكل مفضوح للإخوان، ويكشف طبيعة المهمة التي أوكلت إليه بالدلائل القاطعة.. لا يمكن الحديث عن الإخوان في المرحلة المعاصرة دون الوقوف على الدور القطري الداعم لهم، ولذا يُفرد الكاتب أكثر من فصل لتوضيح أسباب تنازل الشيخ حمد بن خليفة عن الحكم، والدور التآمري الذي تضطلع به قناة الجزيرة (عُلبة بريد بن لادن كما أسماها الكاتب)، وتسميمها للعقل الجمعي العربي بالترويج للتطبيع، والتسويق لأفكار الإخوان المسلمين في كل منزل”.
كما يوضح المؤلف أبعاد الصفقة التي أبرمها الإخوان مع أمريكا، المعروفة باتفاقية الدوحة، التي حسمت كل المسائل المعلقة بين الطرفين، مثال المواقف من اتفاقية كامب ديفيد والعلاقة مع العدو الصهيوني، والموقف من الديمقراطية.. إلخ، فجاء هذا الاتفاق عنوانا لبداية مرحلة جديدة.
ثم يتناول الكاتب أحداث 25 يناير 2011 بالتفصيل، ويوضح الموقف الانتهازي للإخوان الذي حاولوا اللعب على الحبلين، ومن ثم يجيب على التساؤل الذي يراود الكثيرين ما إذا المجلس العسكري قد سلّم الحُكم لجماعة الإخوان.
ويسرد المؤلف في الفصول التالية الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها جماعة الإخوان أثناء السنة اليتيمة من حُكمها، مشيرا إلى رفضهم لانضمام الأقباط إلى الجيش، والهجوم على الكنائس، والموقف العدائي من الأزهر، وممارسة العنف ضد مختلف مكوّنات المجتمع، ومن ذلك محاصرة المدينة الإعلامية، والسماح للميليشيات التابعة لهم بممارسة دور القوات النظامية ومن ذلك مذبحة قصر الاتحادية.. إلخ.
وتابع معتصم الحارث: “أن المؤلف اختتم هذا الكتاب التوثيقي فائق الأهمية بتحليل السبب الرئيس لسقوط الإخوان، ويُرجعه إلى التناقض بين دور محمد مرسي الذي أدى القسم رئيسا للجمهورية وكونه عضوا عاملا يلتزم ببيعة مُغلّظة لمرشد الجماعة، وما أدى إليه ذلك من تخبط كانت لحظة تتويجه الدرامية الخطاب البائس لمحمد مرسي يوم 26 يونيو 2013، والذي جاء مشهدا ختاميا ليُسدل الستار على حُكم الإخوان.. والكتاب أيضا!”.
يُذكر أن منتدى الكـتاب تأسس في يوليو 2003، ومنذ ذلك التاريخ ظل المنتدى يجتمع وبانتظام آخر كل سبت في الشهر لمناقشة كـتاب، على أن يترك اختيار الكـتاب لعضو المنتدى الذي يقوم بتقديم الكـتاب، ويشمل نشاط المنتدى دعوة المؤلفين لمناقشة أعمالهم، ويتم نقاش الكـتب في جو مشبّع بالحرص على المعرفة مع الاحترام الكامل لحرية التعبير.