نفى الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي ما يشاع حول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان فقيرًا، قائلاً إنه وإن أحب الفقراء وراعاهم وجبر بخاطرهم، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أنه كان فقيرًا، أو أنه يريد للأمة أن تكون فقيرة، إذ يعد الفقر هو رأس كل الأزمات التي يواجهها العالم الإسلامي فهو أساس كل المصائب الأخلاقية.
وأرجع خالد في الحلقة الحادية والعشرين من برنامجه الرمضاني “السيرة حياة”، ارتفاع معدلات فقر في الدول الإسلامية إلى ما أسماه “ثقافة تمجيد الفقر، المنتشرة في ثقافتنا الدينية، التي تقول: الفقراء أقرب للجنة ولرضا الله”، قائلاً عنها إنها “ثقافة ترضي الفقراء وتخدرهم فيزدادون فقرًا، يستخدمها الدعاة، لأنها تدغدغ عواطف البسطاء”.
ووصف خالد، الفقر بأنه عدو الإسلام الأول، مدللاً من القرآن بقول الله تعالى: “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”، وكان النبي يتعوذ منه: “اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر”، وكأنه يكشف عن وجود علاقة الكفر بالفقر.
وأشار إلى دعاء النبي لخادمه أنس بالغنى: “اللهم كثر ماله وولده”، كما كان يدعو لنفسه: “اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى”، وهو القائل: “نعم المال الصالح للرجل الصالح”، فكيف مع هذا يقال إن النبي قد أسس حضارة تقوم على حب الفقر؟
واعتبر خالد أن حديث “أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بسبعين عامًا”، ليس دليلاً على أن الفقراء أفضل عند الله من الأغنياء، ولا أعلى منزلة، إذ أنه لم يقل ذلك، “لكن يوضح أن حساب الغني يوم القيامة غير حساب الفقير، الذي ليس لديه ما يستوجب طول الحساب لفقره، أما الغني فحسابه أطول لتعدد مصادر أمواله، لحديث النبي “لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة، حتى يُسألَ عن أربع:… وعن ماله”.
وتابع: ليس معنى كلامي أنني أقدح في الفقراء، لكن من الإيمان أن تخرج من فقرك، فالغني الشاكر أحب إلى الله من الفقير الصابر”.
وفند خالد الروايات التي تقول إن النبي كان فقيرًا، والقصص التي يستدل بها الدعاة الوعاظ على ذلك، ومنها أنه “مات ودرعه مرهونة عند يهودي”، وأنه “ربط على بطنه حجرًا من شدة الجوع”، و”كان يمر الهلال ثم الهلال ولم يوقد في بيته نار”، و”خرج من بيته جائعًا فلقي أبوبكر وعمر وكانا جائعين”، قائلاً إن “القرآن كتاب الله يقول عكس ذلك: “ووجدك عائلاً فأغنى”، عائلاً وليس فقيرًا والعائل في اللغة هو كثير العيال، فلو كان الفقر أفضل من الغنى لم يكن للامتنان”.
واستدرك: “نعم، لقد مرّ رسول الله -كسائر الناس- في حالات عصيبة ومختلفة طوال حياته، إلا أنه كان في معظم الأحوال غنيًا وميسورًا”، موضحًا أن “إنفاق النبي لا يمكن معه القول إنه فقير، فقد كان ينفق على 9 زوجات مهورهن وكسوتهن وطعامهن، وكان يوفر في بداية كل سنه ميزانية السنة بالكامل، ناهيك عن أولاده وأحفاده وخدمه وضيوفه، حتى إنه في عام الوفود، قدم إليه 70 وفدًا”.
وأشار إلى أنه “اشترى أرض المسجد، وأقام بيتَه على جزء من تلك الأرض، وكان يحب الأكل الطيب، ولا يأكل وَحْدَه، فعن عائشة قالت: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ”، حريصًا على مظهَره، “أَنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً بَيْضَاءَ”’، “رأيتُ رسول الله وعليه بُردان أخضران”.
ولفت إلى أنه “كان يستخدم العطر، وكان في زمنه ثمنه مرتفعًا، عن عائشة قالت: “كأنِّي أنظر إلى المِسك في مفرق رسول الله وهو مُحرِمٌ”، علاوة أنه كان له وسيلة تنقل شخصية، فكان لديه ناقة تسمى “القصواء”، وبغلة تسمى “دلدل”، وفرس يسمى “السًّكب”.
كما وصفه بأنه “كان كريمًا كثير العطاء، “كان رسول الله جوادًا وكان أجود ما يكون في رمضان” وكان يتولى الإنفاق على أهل الصفة ويطعمهم من ماله، وبلغ مجموع من كان ينفق عليهم حوالي 128 شخصًا، ازداد عليهم 40 نفسًا أعتقهم قبيل وفاته, فصاروا 168″.
وشدد خالد في الوقت ذاته على أنه “ليس صحيحًا أن غنى النبي كان بسبب امتلاك زوجته السيدة خديجة للمال، فالقرآن يقول: “الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا”، فكيف يقبل وهو الموحى إليه بها”.
وقال: “كانت بينهما شراكة في تجارة، وكانت تنفق لكن كان إنفاقها على الرسالة وليس على شخص الرسول، والنبي لم يكن يقبل الصدقة، “إن الصدقة لا تنبغي لمحمد”، وعندما أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة، نهاهما: “كخ كخ”.
وتابع خالد: لم يكن النبي يقبل عطاء أهله “قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى”، وهو الذي ربى ابن عمه علي بن أبي طالب، ولم يقبل المال حتى من أصحابه، عندما هم بالهجرة إلى المدينة اشترى ناقة للرحلة، “قد أخذتها بالثمن”، دفع لأبي بكر ثمنها.
وقال إن مصادر أموال النبي كانت من “كسبه من مزاولة التجارة، وكان تاجرًا ناجحًا، إذ أنه اشتغل من صغره، وكان في عمر 12 سنة، عندما اصطحبه عمه أبو طالب في أول رحلة تجارة معه للشام، وكان أصغر من قاد قافلة تجارية في مكة، وبلغ عدد رحلاته 23 رحلة، وشارك السيدة خديجة لمدة 20 سنة”.
لكن كيف كان يخلو في غار حراء ليالي طوال؟، يجيب خالد: “غار حراء كان يمثل استراحة، بعد سفر البيع والشراء، مثل من يعملون في البترول أسبوعين عمل وأسبوع راحة، واستمر في التجارة بعد الرسالة .. “وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ”، والمشي في الأسواق هو تعبير عن الحركة المستمرة.