بقلم الدكتور/ أحمد عيسى
مستشار العلاقات العامة والرأى العام بالمبادرة الرئاسية
أعزائى القراء مرحبا بكم فى موضوع جديد هام وخطير فى ذات الوقت ، وترجع أهميته لارتباطه بالنشئ وما قد يترسخ فى الضمير والعقل اللاواعى والذى يترجم بعد ذلك بسلوك وتصرف يصعب تغييره .
وحتى لا أترككم للدهشة والحيرة سأدخل فى الموضوع دون استرسال ، وهذا الموضوع هو المحتوى المرئى وما قد يشوبه من سموم سيكولوجية .
إن حادثة طفل الإسماعيلية الذى قطع جسد زميله بالمنشار واعترافه بانه فعل ذلك تأثراً بمحتوى مسلسل شاهده على اليوتيوب وأيضا حادثة الطفلة التى تم الاعتداء عليها فى حمام السباحة ولفظت أنفاسها لقيام المجرم بكتم أنفاسها تحت الماء اثناء فعلته القبيحة وحادث الاعتداء على أطفال إحدى المدارس الخاصة وآخرها بالأمس واقعة مدرسة عبد السلام محجوب بالإسكندرية كل هذه الحوادث كانت بمثابة دق ناقوس الخطر لبدء مراجعة شاملة لكل الأسباب حتى لا يتسع الثقب الذى اراده أعداء الوطن فى جدار الهوية وعمل فلترة دقيقة للمحتويات التى تقدم لأجيال هذه المرحلة .
ولعل أخطر ما لاحظت فى الفترة الأخيرة من متابعتى للعديد من المحتويات هو تمرير الأخطاء التى تتنافى مع الأعراف والتقاليد والقيم الوطنية التى ترسخت فى ضمير وعقل الوطن الجمعى
وهذا التمرير ما هو إلا مجرد خطوة ، ثم تأتى خطوة أكثر خطورة منها وهى تبرير الخطأ ، نعم تبرير الخطأ ، ولعلك تندهش عندما تعلم أن هناك ما يسمى بالبرمجة اللغوية العصبية والتى من خلالها يتم ترتيب الأولويات التى يوليها العقل اللاواعى اهتمامه ، وهذه البرمجة تحتاج فقط إلى تكرار المُدخل المراد عمل برمجة له سواء سلبية أو إيجابية لعدد سبع مرات وبعده يصبح الأمر مقبولا ومسلماً به وبديهياً لدى الإنسان وذلك لأنه تم برمجته عليه دون شعور منه .
إن هذه البرمجة يمكن أن تحدث للمبادئ والقيم التى تربى عليها جيل بأكمله ، فعلى سبيل المثال لو نظرنا لحال جيلين مضوا كان من غير المقبول أن ترى شخص يجلس فى أى وسيلة مواصلات ويترك إمرأة تقف بجواره ، ولكن هذه الأيام أصبح مقبولا جدا ، فإذا حاولت تحليل ذلك السلوك لأكتشفت انه لم يأتى فى يوم وليلة ، ولكنه ترسخ نتيجة تكراره بشكل برمجة لغوية عصبية لمعالجة درامية أو رسالة اتصالية تستهدف العقل الجمعى وعدم وجود أى نوع من الإستهجان أو الرفض المجتمعى نظرا لتقديمها مغلفة فى إطار كوميدى ثم تعاقبت الأجيال وأصبح مترسخاً فى عقل أغلب الأجيال الحالية أن هذا السلوك عادى بإستثناء بعض الشباب الذين جاءوا من عائلات ما زالت تحافظ على إرثها الإجتماعى وفق نسق تتفرد به وسط اقرانها من العائلات والقبائل .
وبالمثال يتضح المقال ، وفى أثناء متابعتى لأحد المحتويات الدرامية مؤخرا وكانت تحكى قصة فتاة كانت تحب زميلا لها فى العمل وبعض أن تقدم لخطبتها وقبل البدء فى مراسم الزواج حدثت لهذا الشاب مشاكل مما ترتب عليه فصله من عمله ، ليصبح فقيرا معدما ، مما تسبب فى إنفصال خطيبته عنه ، وبعده تزوجت هذه الفتاة من رجل أخر وسافر بها إلى أحدى الدول الأوروبية، وبعد فترة من الزمن تقابلت هذه الفتاة مع خطيبها الأول وحبيبها ، وصارت بينهما لقاءات حتى أكتشف زوجها والذى يعمل بمنصب حساس أنها عادت للقاء حبيبها الاول ، فقام بأخذ بعض الإجراءات والتى من شأنها القبض على خطيبها الاول وترحيله من هذه الدولة الأوروبية ، فوجدت نفسى أتمنى أن لا يتم القبض على خطيبها وكذلك أمنى حدوث أى ضرر لزوجها ، ثم أنتفضت فجأة وسألت نفسى ما هذا الذى وصلت إليه ؟
وبالطبع لست وحدى فقد كان معى أفراد أسرتى ووجدتهم يشاركونى نفس الرغبة والتى تتلخص فى تمنى إنفصال هذه الفتاة عن زوجها وإكمال لاعلاقتها بحبيبها (البطل ) كما كان يتم تقديمه فى تتر المقدمة حيث ان احداث المسلسل تدور حوله ، وجلست أحلل ما وصلنا إليه فأكتشفت أنها البرمجة اللغوية العصبية للضمير الجمعى بداخل كلا منا ، والتى أصبحت ترتبط إرتباط وثيق ببطل أى عمل درامى .
فيؤسفنى القول بأنه وعبر سنوات طويلة تم برمجة المُشاهد على الإرتباط العاطفى بأى شخص يقدم له فى عمل درامى على انه بطل هذا العمل ، وفى خلال هذه السنوات الطويلة تم تمرير مبدأ أن البطل دائما على صواب ، ليس ذلك فحسب ولكن تم برمجة العقل الجمعى على التعاطف الكامل مع هذا البطل فى كل ما يقوم به ، وبعد فترة من التمرير ، جاء دور التبرير لكل ما يقوم به هذا البطل من أخطاء تخالف القيم والتقاليد التى تربى عليها ونشأ فى كنفها المواطن العربى .
وما هى إلا فترة يسيرة حتى أصبحت غاية البطل تبرر كل الوسائل الغير مقبولة لتحقيق أهدافه ، وهذا هو ما وصلنا إليه بفضل أعمال درامية لم ننتبه لها حتى تسربت إلى وجداننا ومنه إلى سلوكنا .
ولا تندهش عندما ترى فى الأيام القادمة أجيالا ممسوخة العقل والوجدان ليست عندها أى ولاء أو إنتماء لأوطانها ولا حتى لقيادتها السياسة ولذلك وجب دق ناقوس الخطر فى ضرورة تنقية أعمالنا الدرامية من هذه السموم السيكولوجية إذا أردنا أن لا ننجرف نحو الهاوية .
وعلينا أن نراجع بعناية أدوار البطولة فى كل عمل درامى يقدم ، لأنه وبكل تأكيد من يتم تقديمه على أنه بطل يصبح قدوة لدى أبنائنا ، ويتم عمل روابط ذهنية بين كل ما يقوم به وبين مفهوم البطولة ، فيصبح فى العقل اللاواعى جملة شرطية تتلخص فى (إذا أردت أن تصبح بطلا ، عليك أن تفعل كذا وكذا ) وطبعا من أفعال هذا الشخص طبقا للسيناريو المقدم للمشاهد ، فعلى كل المعنيين مراجعة الأمر حتى لا نتسبب فى إيجاد أجيال عبارة عن أبطال ولكن من ورق .
وإلى اللقاء فى مقال جديد نسلط فيه الضوء على قضية من قضايا الرأى العام نحلل ونقوم إن شاء الله
























