يؤكد الشاعر السكندري “وليد المصري” من منظوره الخاص للمكان السكندري بسمته، وثيماته: “الأثرية، والدينية، والشعبية”، وبمحمولاته النفسية أهمية ذلك الفضاء المميز، وانعكاساته على ما يعتمل ويدور داخل “الذات” التي تعيش فيه، محققاً بقصيدته نمطاً غير اعتيادياً من التعددية المكانية في جنسٍ أدبي يتصف بأنه شديد الاختزال والتكثيف، وذلك بشكل لم يُخِل بطبيعة هذا الجنس الأدبي، أو يثقل كاهل القصيدة التي عنونها بعنوان “قلبه بيوت” ذلك العنوان الذي تحول فيه “القلب” أحد الأفضية الداخلية إلى فضاء له من الانزياحات المتعددة ما يعبر عن “الأمان، والدفء”، والمشكلات الخفية أيضاً.
منتقلاً من ضمير “الغائب” في العنوان، كتب (المصري) أبياته بضمير “المخاطب”/ ضمير المواجهة، والمصارحة، والإدانة أحياناً ليحول قصيدته إلى “منولوج” طويل يقول في مطلعه:
“ف قلبك شعر
يحس و يتغزل فى طوب الارض..”
فالشاعر يتخذ “القلب” منطلقاً لفضاءاته التي ينتقل فيها برشاقة بين الظاهر المتمثل في “المكان”، والمكنون المتشكل في “الذات” المشخصنة أحياناً والمتجسدة أحياناً أخرى، عاكساً أثر الفضاء المكاني الخارجي الذي يؤرخن للشاعر بكتابة اسمه “بالنيون” “فوق كوبري التاريخ”،
“و نديم راح يكتب اسمك
فى ألنُصب التذكارى
فوق كوبرى التاريخ بنيون”
ذلك النمط من أنماط التخليد الشعبي الذي يعكس فخر الشاعر بطبقته، ورغبته في الخلود بينها، والعيش على طريقتها.
ثم يظهر “المكان” كفضاء خارجي بثيمة مغايرة هي الثيمة “الدينية” عاكساً أثره على “الذات”، فتظهر معه مفردات روحية “كالحب، والروح، والعشق، والصلاة”..
“يصلى بيكوا الحب امام
سيدى القبارى بيدعيلك
و قلبى المنسى فى كرموز
ساعة ما يصلى صلاة الروح الطوافه
فوق راس الخلق اللى بتعشق
من ابعد حته جوا القلب”.
ثمّ ما يلبث “القلب” أن يعود ليتحول إلى فضاء مكاني آخر؛ فيصبح مستودع للأسرار، وللأماني، والأخطار “كبئر مسعود”..
“ و قلبى اللى اتحول بير مسعود
يتجمع فينا العشاق
ترمى أمالها و احلامها / عملات فضيه”.
وتنتقل “الذات” الذابلة، المتعطشة لتقف منتظرة بشوق ما يجددها ويحيها على “قمة شارع الاسناوي” أو “شارع المكس”..
“و بشوق الارض البور
للميه و جناين الورد .. يستنوا الرد
على قمة شارع الاسناوى
او شارع المكس..”
بما يعكسه فضاء الشارع من مفاهيم الصحبة و”الصداقة” التي تظهر للمرة الثانية بعدما وصفها “المصرى” في البداية وصفاً يعكس منزلة تلك القيمة في ذاته ..
“ قلبك ورد..
بيحرس عرش الصُحبيه
يزئر و يهز الكون
لو يلمح لون الفرح بيتغير”
وهنا يتحول الشاعر إلى أسد يزأر لحماية تلك الصداقة التي يقدسها.
للضوء، والأنوار حضور لافت في القصيدة، فبه يُكتب اسم البطل ويخلد “بالنيون”، وأحيانا يتحول الشاعر بذاته إلى نور فيقول:” وتمشي تنور”، وأحيانا أخرى يسعي للامساك به “تمسك بيها قرص الشمس” وتختلف نوعية الأنوار وتحولاتها تبعاً لما تعبر عنه فهي حين تكون بأمر “خالق الكون” تظهر في أقوى صورها الطبيعية “الشمس”، ثمّ تظهر بصورة مصطنعة في لفظة “نيون” دلالة على زوال كل ذلك في النهاية، وحين تخص حقيقة الإنسان تنبع “الأنوار” من داخله مباشرة فيقول: “تمشي تنور”، وهنا يظهر وعي الشاعر بما يكتب عنه و تتمظهر قناعاته جلية.
تخير الشاعر نمطاً معيناً من وسائل المواصلات هو ذلك النوع الذي يسير على قضيبين “ترماي 10″ للمكان الواقعي، و”القطارات” للمتخيل، ولكليهما دلالة على الرحلة الإنسانية المُقدرة التي تصادفها العراقيل من بداية القصيدة “طوب الأرض، الأرض البور، الصخر”، والتي تحاول الذات الشاعرة أن تجتازها وتزرعها وتشقها، و تتخطاها، ثم لا تملك في كل أحوالها تلك سوى أن تكمل الرحلة والطريق حتى النهاية وإن تغيرت الوسيلة، وغادرت الترماي في “محطة مصر” لتعود وتركب “القطارات” في انتقال آخر رشيق، وعودة بالذات من الخارج للداخل من جديد.
ثم يختم الشاعر أبياته التي شاعت فيها الروح الصوفية وتدرجت في الظهور حتى وصلت لأرقى درجات توهجها في الخاتمة بقوله:
“الله حي.. الله حي..
مدااااد”
دلالة على بقاء “الذات” في هذا الفلك الروحي الذي يقع في منطقة غير مأهولة ولا معلومة تقع فيما بين “المكان” ، “والحدث”، لتتحول لذات عامة يتحد معها بسلاسة كل من يقرأ قصيدته المفعمة بالأخيلة والصور التي تحمل بصمته الخاصة.
وفيما يلي نص القصيدة كاملة:
” قلبه بيوت”
ف قلبك شعر
يحس و يتغزل فى طوب الارض
و نديم راح يكتب اسمك
فى ألنُصب التذكارى
فوق كوبرى التاريخ بنيون
فارعة طولك جايه بأمر
من خالق الكون
تمسك بيها قرص الشمس
تمشى تنور و تدفى ف مخاليق
من برد و ضلمة مخاليق
قلبك ورد..
بيحرس عرش الصُحبيه
يزئر و يهز الكون
لو يلمح لون الفرح بيتغير
فى وش احلامهم و احلامك
يا ابو قلب بيوت
بتجمّع فيه الوان الطيف و اصحابك
ترسموا ايام غير الايام و تصلوا
يصلى بيكوا الحب امام
سيدى القبارى بيدعيلك
و قلبى المنسى فى كرموز
ساعة ما يصلى صلاة الروح الطوافه
فوق راس الخلق اللى بتعشق
من ابعد حته جوا القلب
فتقوى الساعد
و عزيمتى ..
تشق الصخر و تبنى طريق
بين بحر حصيره ف قلبك
_ يشرح فى صدور الخلق بشعره اليود_
و قلبى اللى اتحول بير مسعود
يتجمع فينا العشاق
ترمى أمالها و احلامها / عملات فضيه
فوق كتفى و كتفك تستنى
و بشوق الارض البور
للميه و جناين الورد .. يستنوا الرد
على قمة شارع الاسناوى
او شارع المكس
ترماى ١٠ توصلهم لمحطة مصر
يركبوا قُطرات جوا جراب الشعر فى قلبك
على تمبو التفاعيل يتمايلوا
الله حى الله حى .. مداااااااد”.